باحثة اسلامية لبنانية : العزة ليست بالغلبة ولا بالتسلط وإنما بالوحدة والشدة على من يريد إذلال الأمة

باحثة اسلامية لبنانية : العزة ليست بالغلبة ولا بالتسلط وإنما بالوحدة والشدة على من يريد إذلال الأمة

قالت الدكتورة مريم محمد مبروك وهي باحثة اسلامية واكاديمية في لبنان : لقد علمنا النبي صلوات الله وسلامه عليه، أن الرحمة ليست مجرد خلقًا في البيت، بل هي أساس بناء مجتمع متماسك تُصان فيه الحقوق والأعراض والمقدسات، ويعيش فيه الفقير والمظلوم بأمان، وأن العزة ليست بالغلبة ولا بالتسلط، وإنما بالوحدة والشدة على من يريد إذلال الأمة.


جاء ذلك في مقال لهذه الباحثة الاسلامية اللبنانية خلال الندوة الافتراضية للمؤتمر الدولي الـتاسع والثلاثين للوحدة الاسلامية، والتي عقدت برعاية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية؛ فيما يلي نصه : -
 
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الرسالة المحمدية رسالة قامت على الرحمة، وضمنت الأمة الإسلامية الأمن والسلامة والعزة داخليًا وخارجيًا، لأن الرحمة أساس الرسالة؛ قال الله تعالى : [بسم الله الرحمن الرحيم - وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين].

رسول الله (صلى الله عليهواله وسلم) قدوة في ترسيخ هذه الرحمة بكل تفاصيل حياته، ومن أروع الأمثلة أنه كان في الصلاة فسجد، فركب حفيداه الحسن أو الحسين (عليهما السلام) على ظهره، فأطال السجود حتى نزل الطفل بنفسه، فلما سُئل عن ذلك قال : [إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله].

أي رحمة أعظم من هذا؟! النبي صاحب الرحمة الذي يجعل عبادة عظيمة مثل الصلاة متوافقة مع مشاعر الطفل الصغير، ليعلمنا أن الرحمة تبدأ من البيت، والرحمة ضمان للأمن والسلام، وهذا الأمن لا يتحقق إلا بالرحمة؛ يتحقق حين يشعر الضعيف قبل القوي بأنه في مجتمع رحيم وعادل.

لقد كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، لا يأنف أن يساعد المحتاجين بيديه الكريمتين؛ هكذا تُبنى المجتمعات الآمنة، حين يرى الفقير والمحتاج أن قائد الأمة ورمزها يعيش معهم ويشعر بهم وباحتياجاتهم.

الرحمة طريق العز والكرامة، وهي تعاليم نبي الرحمة الذي أُرسل لينشر هذه الرحمة؛ والتي من بعض مظاهرها قصة "ثمامة بن أثال" سيد بني حنيفة، الذي أُسر وربطوه في المسجد، وكان النبي يزوره ويكلمه بلطف، ثم أمر بإطلاق سراحه بلا مقابل، فذهب هذا الرجل واغتسل ثم عاد ليُعلن إسلامه قائلاً : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

الرحمة هي التي فتحت القلوب، وهي التي منحت مع عزتها الحقيقية، لأن العزة لا تقوم على القهر، ولا على الظلم، ولا على سفك الدماء، إنما على العدل.

إن النبي لم يكتفِ بتربية الأفراد على الرحمة، بل أسس دولة قوية صابرة محتسبة مؤمنة على أساس هذه الرحمة والعدل.

في صحيفة المدينة وضع دستورًا جمع بين المسلمين وغيرهم في عقد اجتماعي واحد، يضمن الحقوق والواجبات ويحقق الأمن للمجتمع وللجميع مهما اختلفت دياناتهم.

السياسة في الإسلام ليست غلبة ولا استبداد، وإنما مسؤولية تقوم على الرحمة والعدل، فتكون دولة قوية عزيزة.

من مظاهر رحمة النبي هو الذي آخى بين المهاجرين والأنصار، قوة الأمة كما قال الله عز وجل في محكم كتابه : [محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم]؛ هذه المعادلة العظيمة توازن بين رحمة داخلية تحمي وحدة الأمة، وتضمن العدل بين المسلمين، وتحافظ على العزة والسيادة أمام المعتدين المتجبرين والمتغطرسين.

لقد علمنا النبي صلوات الله وسلامه عليه، أن الرحمة ليست مجرد خلقًا في البيت، بل هي أساس بناء مجتمع متماسك تُصان فيه الحقوق والأعراض والمقدسات، ويعيش فيه الفقير والمظلوم بأمان. وأن العزة ليست بالغلبة ولا بالتسلط، وإنما بالوحدة والشدة على من يريد إذلال الأمة؛ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم".

فإذا أردنا أن ننهض من جديد، ونعيد لهذه الأمة استقرارها وأمنها وعزتها ويدها القوية، ستتحقق العزة والرحمة برحمة رسول الله الذي أُرسل من أجلها؛ [ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين].

 اللهم اجعلنا أمة رحيمة متماسكة فيما بينها، عزيزة كريمة قوية موحدة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.