باحث اسلامی ايراني : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية يهدف الى انشاء امة واحدة
اعتبر الباحث الاسلامي الايراني، مستشار الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية "الدكتور محمد اذرشب"، ان "أساس ما يهدف إليه المجمع هو إنشاء أمة واحدة، ليس بين مذاهبها وبين طوائفها وشعوبها وقبائلها نزاع، بل تفاهم وتعارف وتبادل معرفي".
وفي مقال له خلال الندوة الافتراضية للمؤتمر الدولي الـ 39 للوحدة الاسلامية التي عقدت برعاية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، لفت الدكتور اذر شب الى ان "الإسلام قدّم للمجموعة البشرية تصورًا عن الإنسان تجعله يشعر بأنه محور الكون ومحور التشريع الإلهي، وأنه يحمل الأمانة الكبرى، ولا بد أن يؤدي هذه الأمانة بتحمّل مسؤوليته أمام ما أودع فيه من قوى عقلية وفكرية تمنحه قوة الإبداع والتطوير".
وافادت "تنـا" بان نص مقال مستشار الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية في هذه الندوة جاء على الشكل التالي : -
بسم الله الرحمن الرحيم/
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين.
أتقدم أولًا بالشكر للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية لاهتمامه بإحياء معالم دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بمناسبة مرور 15 قرنًا على مولده المبارك.
وأكرّس حديثي المتواضع اليوم على دور رسول الله (ص) في قيادة الأمة نحو التفعيل الثقافي، نحو التعارف بين الشعوب، يعني نحو تحقيق قوله تعالى : [يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا].
والتعارف هو التبادل المعرفي، أو التفاعل الثقافي بين الشعوب، وأكبر ما سجله الإسلام في تاريخه هو أنه جعل بين الشعوب أواصر ثقافة وتعارف، وجعل منهم بذلك أمة واحدة.
والتفعيل الثقافي هو أساس تكوين الأمة الواحدة، وأساس ما يهدف إليه المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إنشاء أمة واحدة، ليس بين مذاهبها وبين طوائفها وشعوبها وقبائلها نزاع، بل تفاهم وتعارف وتبادل معرفي.
دخول مجموعتين بشريتين في مشروع حضاري واحد يستتبعه عادة تفعيل ثقافي، ولكن لا بد من قيادة وهي قيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن المجموع البشرية حين تخرج من ذاتياتها الضيقة، وحين تزول من أمام مسيرتها المثل العليا السرابية، تسلك طريق المثل الأعلى الحق.
وهذا المثل الأعلى يفجّر في الإنسان طاقاته الخلّاقة، ويدفعه إلى حركة لا نهائية لها في عملية الهدم والبناء؛ هدم ما يعيق بصيرت التكامل الإنساني من عوائق، وبناء ما ينفع الناس.
ثم إن الإسلام قدّم للمجموعة البشرية تصورًا عن الإنسان تجعله يشعر بأنه محور الكون ومحور التشريع الإلهي، وأنه يحمل الأمانة الكبرى، ولا بد أن يؤدي هذه الأمانة بتحمّل مسؤوليته أمام ما أودع فيه من قوى عقلية وفكرية تمنحه قوة الإبداع والتطوير.
وهذا التصور يمنح الإنسان ثقة بنفسه وبإمكاناته وقدرته على الخلق والابتكار والإبداع؛ وهذه الأمة تشكّلت في فترة زمنية قصيرة، بفضل عظمة مثلها الأعلى، وبفضل قيادتها الكبرى المتمثلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام، وتحركت بسرعة على طريق هدم الشر وبناء الخير في الساحة البشرية، ولذلك كانت خير أمة أخرجت للناس.
وبسرعة مذهلة تتناسب مع عظمة الأهداف، تطورات في داخل الأمة ثقافة هي مزيج مما كان عند العرب من خصال حسنة، ومن تعاليم جديدة دفعت إنسان الجزيرة العربية إلى الحياة الحضارية، وحرّمت عليه أن يعود إلى البداوة، فكانت التعرب بعد الهجرة من الكبائر، ووفّرت له ما تطلبه الحياة الحضارية من نظام سياسي واقتصادي واجتماعي ودفاعي.
ولعل أهم محاور التفعيل الثقافي في التصور الإسلامي هو الانفتاح على الشعوب الأخرى، والتعرف على ما كسبته مسيرتها الحياتية التاريخية من تجارب، وأخذ المنافع منها بما يتناسب مع المنظومة الفكرية والعملية الإسلامية.
والشعوب تختلف في مكتسباتها الحياتية باختلاف ظروفها التاريخية والاجتماعية وطبيعتها القومية والجغرافية؛ بل إن الاختلاف موجود في داخل المجموعة البشرية الواحدة، والاختلاف بين الأفراد والجماعات اقره الإسلام، بل وجعل هذه التعددية من الأهمية بحيث تستطيع أن تفسر سبب خلق الإنسان، لأنها ترتبط بما يتصف به الموجود البشري من إرادة تجعله فريدًا في هذا الكون؛ [وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ ].
إلى جانب الإقرار بالتعددية، دعا الله إلى أن تتعارف المجموعات البشرية؛ [يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا]، والميزان في التباين بين الشعوب والتكريم، [إن أكرمكم عند الله أتقاكمي.
وكما أن تعارف الذكر والأنثى لا يلغي صفة كل منهما، بل يجعل من تعارفهما أساس استمرار الحياة البشرية، كذلك التعارف بين الشعوب والقبائل أو تعارف الثقافات، يؤدي إلى استمرار الحركة الثقافية ومواصلة مسيرتها ونمائها.
كما أن المشاركة بين أبناء الأمة من غير المسلمين تستوقفنا لنشير إلى الموقف الإنساني من الآخر؛ الدعوة الإسلامية موجهة إلى الناس، والدعوة إلى التعارف موجهة إلى الناس، والخطاب إلى أتباع الأديان الإلهية الأخرى يدعوهم إلى المشتركات؛ [قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءي.
وأسلوب الخطاب مع الآخر يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يكون بأفضل أساليب الإقناع؛ [وجادلهم بالتي هي أحسن]، ولا يجوز اتخاذ موقف رافض في الحوار مع الآخر، يعني لا يجوز أن تتحاور مع الآخر وأنت ترفضه.
ويقول القرآن : [إِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ]، يعني لا مجال لأن ترفض الاخر وتتحاور مع الآخر، وإذا رفضته، لا يمكن أن تتحاور معه.
وهذه وعشرات النصوص الأخرى تؤكد ضرورة تعامل الإنسان المسلم مع الآخر تعاملًا فيه شعور بالأخوة والمحبة والاحترام؛ فالإنسان موجود كرّمه الله، [ولقد كرّمنا بني آدم].
وكل البشر يشتركون في الفطرة التي تجعل الناس بأجمعهم أمام أهداف إنسانية سامية، وتخلق منهم المشترك الحضاري.
ولا أضرّ على الساحة الإنسانية ممن يحملون الحقد والانقسام رغم تظاهرهم بالشعارات البرّاقة، ويعيثون متى ما توفرت لهم القدرة في الأرض الفساد، ويهلكون الحرث والنسل، أي يعتدون على نعم الله في الأرض، وعلى كرامة الإنسان على ظهر الأرض.
ولا يمكن أن تدخل البشرية في سلم إلا إذا أبعدت عن طريقها الحاقدين المخاصمين، ومن أجمل ما ورد في القرآن من تسلسل في الآيات قوله سبحانه وتعالى : [ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد].
وبالعكس، هناك المجموعة التي تبذل نفسها من أجل أن يحل التعارف بين الشعوب؛ [ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد]، ثم تقول الآية عندئذ : [يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين].
فالبشرية مدعوة إلى الدخول في السلم، وإلى التعامل الذي يحوّل العدو إلى وليّ حميم، لكن مشكلتها تبقى مع المنافقين الذين يظهرون ما لا يبطنون من الحقد، ويصرّون على عنادهم ولجاجهم، وتأخذهم العزة بالإثم، وهذه مشكلة التعايش الآمن بين البشرية في الماضي وفي حاضرنا وفي المستقبل.
وهذا الذي يعجبك قوله في الحياة الدنيا مزوّد اليوم بوسائل إعلام ضخمة وأساليب دعائية مدروسة تجعل قوله ينطلي على الشعوب المضلّلة، وهذا أكبر تهديد للأمن والسلام في العالم، لكن الأمل في تقدم وعي الشعوب تقدمًا يجعلها تميّز بين الحق والباطل، وبين من هو ألدّ الخصام، وبين من هو يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، أن يقدّم كل ما عنده لمسيرة البشرية نحو كمالها المنشود، وهو أمل يقوم على أساس الإيمان بأن مسيرة البشرية تطوي ما سلّم الكمال رغم تعثّرها وتراجعها في مقاطع من هذا الطريق الطويل.
والإسلام دعا إلى الجهاد بالمال والسلاح والكلمة من أجل الناس، وفي سبيل الله لا تعني إلا في سبيل الناس، فالله لا يناله ثمرة إنفاق المنفقين، ولا نتائج جهاد المجاهدين، ولا فائدة دعوة الداعين، بل الذي ينتفع من كل ذلك هو الناس.
وأقصى نعم الله على الإنسان، هو أن [يبدّلهم من بعد خوفهم أمنًا]، ولذلك يذكر المسلمين الأوائل بقوله : [واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا].
وهذه النعمة لا تتوفر إلا بتخليص البشرية من ظلم الظالمين واستضعاف المستكبرين؛ [وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليًّا واجعل لنا من لدنك نصيرًا].
سلام الله عليك يا رسول الله، سلام الله عليك فقد أدبك ربك وأحسن تأديبك وأدبت هذه الامة واحسنت تاديبها، فكنت رائد قيادة هذه البشرية، فكانت هذه الأمة التي ربيتها رائدة قيادة البشرية نحو التعارف بين الشعوب، ونحو تحقيق كرامة الإنسان على ظهر الأرض.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
