خطيب جمعة همدان : یجب علینا أن نوحد صفوفنا
قال ممثل الولي الفقيه، خطيب جمعة همدان (غرب ايران)، "حجة الاسلام حبیب الله شعباني" : یجب علینا أن نوحد صفوفنا فقد شهدنا هذا العام بعض الأعمال اللاعقلانیة التي أدانها جمیع المجتمعات الإسلامیة؛ مؤكدا على ضرورة إدانة هذه السلوکیات الشنیعة.
جاء ذلك في مقال قدمه "حجة الاسلام شعباني" خلال المؤتمر الافتراضي الدولي الـ 37 للوحدة الاسلامية؛ موجها الشكر التقدير الى المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الاسلامیه على دعوته بالمشارکه في هذا الموتمر.
وفي ما يلي نص المقال :
بسم الله الرحمن الرحيم
یری القرآن الکریم والروایات الإسلامیة أن العدل هو شرط حرکة المجتمع وحرکیته وأساس الخلقة جمعاء ویقول: بِالْعَدْلِ قامَتِ السَّماواتُ وَ الاَرْض.ومن جانب آخر،تری الشریعة الإسلامیة أنّ أساس العلاقات البشریة وقوام المجتمعات الإنسانیة هو العدل والعدالة.فإرادة الشارع المقدس هي استتباب العدل والعدالة في المجتمع، سواء في ما یتعلق بالأحکام الفردیة أو الأحکام الإجتماعیة. أنّ التعالیم الدینیة والتشریع الإلهي عند سنّ القوانین وتحدید الحلال والحرام یأخذ العدالة بعین الإعتبار وینظر إلی الأمور من زاویة العدالة، بغض النظر عن ما إذا کانت من قوّة العقل ومن قوّة الشرع، فاعتقادنا هو أن هذه التعالیم تسعی لاستتباب العدالة.
فقد طُرحت هذه التعالیم حول قضیة العدالة، إذ یقول الله تعالی:«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ» هذا ما أمر به ربّ العالمین صراحة وکل من یؤمن بالقرآن الکریم یجب أن یکون جمیع سلوکه وتعامله علی أساس العدل والعدالة؛ لأنّ هذا ما أمر به الله بکل صراحة ویجب أن یکون سلوکنا في الإطار الذي حدده الله لنا.
ومن المواضع التي یجب أن نتخذ فیها العدالة بعین الإعتبار ونؤطر سلوکنا في إطار العدل هي العلاقات بین الدول الإسلامیة وسلوك الدول الإسلامیة، وتعاملها السیاسي، والثقافي والمجالات الأخری التي یجب أن تندرج کلها في إطار العدل وتنطلق من منطلقه. وکما تعلمون لکي نستوعب معنی العدالة یجب معرفة الحق وتمییزه عن الباطل.
فعندما أراد علي (ع) أن یقدم تعریفاً للعدالة أخذ جمیع الأمور بعین الإعتبار وقدّم تعریفاً مفعم بالعقلانیة من للعدل وقال العدل هو "اعطاءُ کلِّ ذی حقٍّ حقَّ"هذا یعني إن کانت تعاملاتنا وسلوکنا قائم علی أساس الحق فهو سلوك عادل؛ ولکن إذا لا سمح الله لم یتلائم مع الحق وکان سلوك الدول الإسلامي وسلوك علماء الدول الإسلامیة وکل أوجه الحیاة لم تکن قائمة علی أساس الحق فهي سلوکیات ظالمة. لهذا تحدید الحق وتحدید إطاره وتمییزه أمر بالغ الأهمیة. فأحدی المحاور التي کان من المقرر أن یتحدث حولها الأعزاء في هذا المؤتمر هي مسألة السلام العادل والحرب العادل.
فلکي نحدد الأطر ونعرف الحدود التي یجب أن نضعها لسلوك الدول الإسلامیة والحکومات الإسلامیة في تعاملها مع العالم، لابد من بلورة تعریف محدد للحق ومعناه. إذن لابد من تحدید معنی الحق ورسم حدود واضحة الملامح لهذا الرکن الأساس في الحیاة؛ ولیس أمامنا طریق أوضح وأشمل وأصوب من الطریق الذي حدده لنا القرآن والسنة النبویة لتعریف الحق ومعرفته. إذن لابد من الرجوع إلی الکتاب والسنة لمعرفته.
فهذا التحدید والتعریف -الذي یمکن أن یتعرض للتزویر- یجب أن یکون وفقاً لما ورد في القرآن والروایات الشریفة. فقد أشیر هنا إلی بعض الآیات الکریمة لکي نعرف أن الحق من وجهة نظر الإسلام أهو حرب أم سلام؟
ومن بین الآیات المتعلقة بهذا الموضوع هي قوله تعالی: "وَقُلْنَا اهْبِطُوا وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ". فالقرآن الکریم وتحدیداً في سورة البقرة یتحدث عن بدء الخلق وقصة النبي آدم وإبلیس التي تؤدي إلی سقوط ابلیس والنبي آدم والتي قدم منها المفسرون تفاسیر مختلفة، تتحدث عن السقوط ونزول شأن آدم واستعداء أبناء آدم. فقد یقول في موضع آخر: "بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ"
قد یُخیّل إلی الفرد أنّ هناك علاقة بین الهبوط والعداوة بغض النظر عن أیهما السبب وأیهما المسبب. فهذا التلازم قابل للفهم، والمجتمع الذي یتعرض للتحلل الأخلاقي، سوف یستشري فیه العداء، والمجتمع الذي استشری فیه التحلل والعداء سیتعرض إلی الإنهیار وکل منهما یؤثر علی الآخر. وتجدر الإشارة إلی أن المجتمع البشري إذا استفحل فیه العداء والصراع والنزاع، فإنّه سیهبط لأدنی مستوی. إذن لماذا جاء الدین ولماذا نزل الوحي؟ لکي یخرجنا من هذا السقوط وهذا معنی قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً. فیأتي الهدی بعدما تعرض المجتمع إلی السقوط. وهذا نفهمه من قوله:وقُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِیعاً.
عندما تطرح مسألة الهدایة الإلهیة فالمقصود هو الدین الإلهي الذي نزل لهدایة البشر. فهذه الهدایة هي لإنقاذ البشر من السقوط والإنزلاق في الهاویة؛ ولکي ینمو الإنسان في المجتمع البشري ویرتقي سلّم التعالی والتسامي یجب أن یتمسّك بهذه التعالیم والأحکام التي أنزلها الوحي. فقد یقول هذا الوحي: ثمَ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ.
إنّ الإیمان والعمل الصالح اللذان یعودان إلی الدین بشکل أو بآخر هما کفیلان بإخراج الإنسان من الدرك الأسفل والإرتقاء به إلی أعالي المجد والسؤدد. وإن أمعن الرائي النظر فسوف یری أنّ الإسلام، علی مرّ العصور والتعاقب الأزمان لم یکن بادئ الحرب ولم یخطو الخطوة الأولی نحو الحرب والعداء.
فقد یقول القرآن حول قصة الأخوین هابیل وقابیل (ع: لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتُلَني ما أَنا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لِأَقتُلَكَ. فعندما یتحدث القرآن عن قصة هذین الأخوین بنقطة إنطلاق التاریخ وظهور جبهة الحق وجبهة الباطل، یقول أن من بدأ الحرب هو قابیل، وهابیل هو من یدّعي أنّه لا التطاول علی أخیه ویقول: ....إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمينَ. إذن من یخاف الله لا یتطاول علی أحد ولا یقتل.
وهذا ما ورد في نص القرآن بکل وضوح في قصة هابیل (ع)دعونا نتقدم في التاریخ لکي نشیر إلی بعض حالات الصراع بین الحق والباطل لکي نعرف من أین بدأ الصراع والحرب. تقول لنا الروایات التاریخیة أنّ الحرب بدأ علی ید الباطل؛ وهذا نستشفه من قوله تعالی: "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ" فعندما اختار الله النبي موسی (ع) نبیاً ورسولاً لکي یدعو فرعون إلی الله، یقول له: "ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ" النبي موسی یرید أن یسیر نحو من یدعي الربوبیة، یرید أن یذهب نحو الطاغیة فرعون.
الأصل الأول في الهدایة لم یکن الصراع والحرب. إنما الأصل الأول هو القول اللین حتی عندما یتعلق الأمر بفرعون. فهذا القول اللین نصیحة الله تعالی لموسی (ع)، فلا شك أنّ الأمر عندما یتعلق بالهدایة والسلام والإخاء، فلم یکن الأصل والخطوة الأولی الحرب والصراع والتهدید والوعید. وإنما الأصل في کل العلاقات البشریة هو القول اللین. نعم، عندما لا یترك القول اللین أثراً في القلوب الصُلبة والمتحجّرة، فإنّ الله تعالی لدیه عدّة نیلات ولیس نیل واحد لإغراق فرعون وطاغیته. لکن امر الله تعالی لا یتجاوز الحد الوسط والتعادل بین الشدة واللین فیُنزل عذابه علی قدر کفران بعض العباد.
نعُد إلی المجتمع الإسلامي لکي أروي لکم حدثاً تاریخیاً فقد طال حدیثي ولا أرید المزید من الإطالة.أرید الحدیث عن الصراع الذي دار بین أمیرالمؤمنین وبین معاویة...
من المسلمات التاریخیة القارّة لدی المسلمین هو أن الإمام علي کان في صراع مع معاویة في الشام حول ولایته علی الشام. فعندما صار الإمام خلیفة للمسلمین، عمل مثلما عمل الخلفاء من قبله وبما أنّ المجتمع الإسلامي خوّله إختیارات واسعة فقد کان من حقه اختیار الولاة، والعمّال والحکام، وهنا کان بینه وبین معاویة صراعاًأفضی إلی حرب صفین. فقد کان بعض مقاتلي جیش الإمام یشمتون بعدوّهم فمنعهم الإمام من الشماتة بأعداءه وقال لهم إن کنتم تریدون الحدیث فلا تشمتوا ولا تتفوّهوا بما لا یلیق بالمؤمن بل قولوا "اللهم إحقن دماءنا ودماءهم".
نعلم أنّ الخلاف العمیق بین الإمام علي (ع) ومعاویة تمخض عن نظرة خاصة من الإمام تجاه معاویة، لکن أهل الشام کانت لدیهم وفي حالات عدیدة، أحقاد تجاه الإمام وکانت نظرتهم تجاهه نظرة سلبیة. لکن الإمام کان یقول: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأمر أصحابه بتکرار هذا القول والإلتزام به، کما کان یأمرهم بالقول: وأصلح ذات بیننا وبینهم.
هذه هي الأمة الإسلامیة؛ فرغم الخلاف بین أهل الشام وأهل العراق، والصراع الفکري بینهما والذي قد یفضي إلی ظهور تکفیریین، لکن نری کیف کان الإمام یدعو لحقن الدماء ویأمر به ویکرر قوله: اللهم اصلح ذَاتَ بَيْنِنَا وَ بَيْنِهِمْ وَ اهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ. شاهدوا کیف یدعو لهدایتهم. فإن کنتم تعتقدون بضلالة الآخر، علیکم أن تدعو له بالهدایة.
لاحضوا إن أمیرالمؤمنین لم یبدأ الحرب، تماماً مثلما لم یبدأ ابنه شهید کربلاء الإمام الحسین (ع) الحرب في عاشوراء ولم یواجه جیش ابن زیاد. فعلی الرغم من أن الجهة المقابلة خلیفة من طراز یزید ولم یعترف الإمام بخلافته، بید أنّه لم یبدأ الحرب ولم یر الحرب ضده حرباً مشروعة بل هي من وجهة نظر الإمام الحسین (ع) غیر شرعیة ولهذا لم یبدأ الإمام الحرب بل العدو هو من أطلق شرارتها.
الحرب والسلام قائمان شروط وقوانین عادلة ویمکن تحدید العدالة من خلال الحق. یبدو أن الحق في التعامل الإنساني هو السلام. وما یمکن أن نستشفه من الآیات الکریمة والروایات الشریفة هو أن مبدأ الحرب والسلام هو السعي لتحقیق العدل والعدالة. کما أنّ هناك جهاد إبتدائي یجب الإهتمام به. الجهاد الإبتدائي یجب عندما تظهر عقبة أمام الدعوة إلی الله وسبیل الحق ویجب إزالتها.
وهنا أیضا لا یمکن القول أنّ المجاهد هو من بدد الحرب، بل من وضع العقبة أمام الهدایة وأمام الدعوة إلی الله هو من بدأ الحرب أو الصراع. ففي هذا الموضع أیضاً یمکن القول أن المسلم لم یبدأ الحرب وإنما الکافر الذي رمی حجر العثرة في سبیل الهدایة هو بادئ الحرب. والجدیر بالذکر أن هذا الموضوع یتعلق بالمجتمع الکافر وأنا هنا بصدد الحدیث عن المجتمع المسلم.
أوجّه سؤالاً و أدعو إلی التفکیر ملیاً فیه وبکل إنصاف وضمیر. أيّ التعاملین والسیاستین أولی باتخاذها لرفع شأن الإسلام؟ إذا تعامل المجتمع المسلم بمودّة ووحدة یعلو شأن الإسلام وینتشر کلام الله في العالم، أم إذا اتخذ سیاسة العداء والصراع؟ إذا أردنا رفع شأن الإسلام والقرآن في العالم بحیث لن یجرؤ أحد علی الإساءة علیه.
یجب علینا أن نوحد صفوفنا. فقد شهدنا هذا العام بعض الأعمال اللاعقلانیة التي أدانتها جمیع المجتمعات الإسلامیة وهو ما کنا ننتظره. یجب إدانة هذه السلوکیات الشنیعة.وسؤالي الذي أودّ أن یفکر فیه الجمیع هو: هل إتحاد الدول الإسلامیة یعلو شأن الإسلام أم الصراع والمناوشات؟ هل الإخاء بین الأخوة الشیعة والسنّة هو السبیل لرفع شأن الإسلام أم عداءهم؟ ألم تدع التعالیم النبویة علی التأکید علی القواسم المشترکة والإتحاد؟
یبدو أن الرد علی سؤالي لا یحتاج إلی تفکیر طویل إذا عُرض علی أصحاب الضمائر الطاهرة کضمائر الحضور الکرام.