حديث التقريب ... الحسين يجمعنا
حديث التقريب … الحسين يجمعنا
الحسين بن علي (ع) سبط رسول الله (ص) سجّل في العاشر من محرّم سنة 61هجرية ملحمة فيها من دروس المقاومة والإحياء والسموّ الانساني والمخزون الحضاري ما يستطيع أن يدفع بأمتنا ـ لو تلقته على النحو الصحيح ـ نحو حركة مستمرة صاعدة لتتبوّأ مكانة الوسطية والشهادة على ساحة التاريخ حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
الحياة في أمتنا الاسلامية مستمدة طبعاً من القرآن والسنة.. ودعوة الاسلام ركزت على خروج الانسان المسلم من الظلمات الى النور، من ظلمات الذاتية والأنانية والاهواء الصغيرة، ليدخل عالم النور (يخرجهم من الظلمات الى النور) الى عالم الحركة المستمرة نحو المثل الأعلى المطلق سبحانه.
لكن الانسان بحاجة الى القدوة التي تتعالى على أهوائها وأنانياتها ومصالحها الذاتية، وتضحّي بأعزّ ما لديها من أجل الأهداف الرسالية الانسانية.
لا شك أن تاريخنا الإسلامي حافل بالشخصيات الرسالية المضحية من أجل المبدأ، وإحياء هذه الشخصيات في ذاكرتنا وحياتنا يستطيع أن يضخّ في نفوسنا العزم على مواصلة طريق السموّ، وأن ينقذنا من الاستسلام للواقع الفاسد ومن الارتخاء والتراجع والهزيمة النفسية.
ويحتل الحسين بن علي (ع) في موقفه بكربلاء وقبل كربلاء، وهكذا مواقف أسرته الأسيرة بعد الواقعة في قمة رفيعة من قمم التضحية والفداء والصمود. ومشاهد يوم العاشر من محرم بكربلاء (عاشوراء) وما بعده قادرة على أن تجعل أمتنا ترفض الذلّ والهوان وتحافظ على العزة في أصعب الظروف.
وما تشهده أمتنا اليوم من روح المقاومة ومقارعة الظالمين والطغاة إنما هو مدين لما قدمه الحسين وآل بيته وأصحابه من استبسال وتضحية في سبيل الهدف الكبير.
وما يظهر في اجواء أمتنا من سحب سوداء من التراجع والاستسلام للذل انما هو بسبب ابتعادها عن الحسين.. عن صور الشموخ والصمود في تاريخنا وفي واقعنا المعاش.
إن الشعار الاول للحسين بن علي: (هيهات منا الذلة) يتجلى اليوم في مقاومة العدوان والمعتدين في فلسطين وفي كل أرض تواجه الصراع بين العزّة والذلّة.
ثمة محاولات في تاريخنا وفي حاضرنا لربط أمتنا بتاريخ أصحاب السلطة والبطش والسيطرة، وبذلك يوحون الى الجيل بأن الساحة البشرية صراع من أجل التسلط، ولابدّ من الخضوع لمن يمتلك القوة المادية القاهرة، وبهذا يغيّبون عن الاذهان حقيقة الصراع بين الحق والباطل، وأن الباطل مهما طغى فإنه زاهق لا محالة وان الحق منتصر في كل الاحوال.
نحتاج الى يقظة تربط حاضرنا بتاريخ الفداء والتضحية ونكران الذات من أجل الدفاع عن مصالح الأمة، والحسين بن علي وآل بيته وأصحابه يختزنون من قوة الدفع والاستيقاظ والترفّع عن المآرب الدنيئة ما نحتاج اليه اليوم اشدّ الاحتياج.
نحتاج اليه في وحدتنا وفي صمودنا ومقاومتنا لما يحيط بنا من تحديات.
بقي أن نقول من منطلق التقريب بين المذاهب الاسلامية ان إحياء ذكرى الحسين يجب أن لا يبقى محصوراً في طائفة من المسلمين، لابد من احيائها على الصعيد الاسلامي، عندئذ ستكون وسيلة "تقريب" بل توحيد لعواطف الامة وافكارها وتطلعاتها.
الاسلاميون الذين ارتفعوا عن الحالة الطائفية توجهوا نحو هذه الصفحات المضيئة من تاريخنا، واستلهموا منها العِبر والدروس، ومنهم "سيد قطب" رضوان الله تعالى عليه.
فهو في تفسيره "في ظلال القرآن" يقف عند معنى النصر في قول سبحانه: (انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد) يضرب مثلا من تاريخ الانبياء بابراهيم (عليه السلام) وهو يُلقى في النار فلا يرجع عن عقيدته ولا الدعوة اليها، فهو في موقف نصر لا هزيمة.
ويضرب مثلاً من تاريخنا الاسلامي بالحسين "وهو يستشهد (والكلام لسيد قطب) في تلك الصور العظيمة من جانب، المفجعة من جانب أكانت نصراً أم هزيمة؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة. فأما في الحقيقة الخاصة وبالمقياس الكبير فقد كانت نصرا: فما من شهيد في الارض تهتزّ له الجوانح بالحبّ والعطف، وتهفو له القلوب، وتجيش بالغيرة والفداء كالحسين رضوان الله عليه. يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين، من المسلمين، وكثير من غير المسلمين!"
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية