حديث التقريب .. سلاح الطائفية بوجه المقاومة
سلاح الطائفية بوجه المقاومة
الطائفية سلاح أعداء الأمة لمواجهة أي مظهر من مظاهر الحياة فيها. جبهة العدوّ هي جبهة الكراهية والحقد تجاه كل صحوة تعبّر عن محاولة استعادة العزّة والكرامة.
المقاومة التي تصاعدت بوجه العدوّ الصهيوني في فلسطين ولبنان وحظيت بدعم شعوب العالم وخاصة شعوب محور المقاومة، تواجه اليوم بوضوح تصاعد المدّ الطائفي إعلاميًا وميدانيًا.
الأصوات التي أريد لها أن تخمد أمدًا بارادة صهيونية أمريكية من أجل تمرير مؤامرات التطبيع، عادت اليوم منذ عام بوجه خاص لتدفع بكل ما تختزنه من سموم لاثارة النعرات الطائفية، هذا يعني كما قلنا من قبل إن الهجوم على محور المقاومة لا يكتمل إلاّ أن يرافقه سلاح الطائفية، وهذا ليس بجديد ففي تاريخنا المعاصر رأينا أن كل نهضة وحركة نحو التحرر يحاول أعداؤها قمعها بمعول الطائفية أو إثارة النزاعات الاثنية وفقا لقاعدة «فرق تسد».
واليوم نرى بوضوح لا لبس فيه أن الصهيونية وأمريكا قد جنّدت كل طاقاتها وعملائها لاثارة فتنة طائفية ولايقاد شحناء عنصرية لمواجهة هذه الهبّة الالهية المحمدية المشهودة على الساحة العالمية والمحلية.
إنّ المجمع العالمي للتقريب وجميع المهتمين بوحدة الأمة وبرصّ صفوفها يتحملون اليوم أكثر من أي وقت مضى مسؤولية الدعوة إلى وحدة الأمة وإلى إيقاظ الشعوب بشأن ما يحيطها من تآمر يستهدف التمزيق والتشتيت وفرض الهيمنة وإعاقة عملية التنمية والتطوير في بلدانها.
يسرّنا من الاعماق ما سمعناه أخيرًا من العلماء والمفكرين من اهتمام خاص بموضوع وحدة الأمة ورفض التمزيق الطائفي، هذا الاهتمام كان موجودًا دائمًا بدرجة وأخرى ولكن تكثيف هذا الاهتمام اليوم يدلّ على وعي مبارك مشكور وعلى فهم لمخطط العدو الصهيوني والأمريكي في مواجهة المقاومة المتصاعدة.
هذه الصحوة التي أفرزها طوفان الأقصى يجب أن لا تقتصر على هذا المقطع الزمني، بل لابد أن يكون مشروع الوحدة والتقريب متواصلاً عبر العصور القادمة، لأن الإسلام يضخّ باستمرار الحياة في جسد الأمة والحياة من لوازمها المقاومة والمقاومة لها أعداء.. أعداء الحياة.. لذلك لابدّ أن يكون مشروع التقريب والوحدة ومواجهة مشاريع التمزيق والتشتيت والتفريق مستمرة مادامت دعوة الإسلام إلى الحياة قائمة ومادام قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ يطرق أسماع أبناء الأمة.
ونذكّر هنا بما كتبناه بعد حرب تموز 2006 بين حزب الله والكيان الصهيوني وقلنا فيه:
شهدت الشهور الأخيرة ضجّة طائفية، كان التركيز فيها على ما يسمى «التبشير الشيعي»، وفي إطار هذه الضجّة بُذلت جهود إعلامية ضخمة لتصوير ما يدور في منطقة ما يسمى الشرق الأوسط! بأنه اصطفاف بين السنّة والشيعة!! وأدخِلَ كلُّ أقطاب المقاومة والصمود في خانة طائفيّة، وكأنّ همّهم هو مجابهة أهل السنّة!! وأدرج في تلك الجبهة الجمهورية الإسلامية وحزب الله، وأغرب من ذلك أنهم أدرجوا فيها سوريا وحماس والجهاد !!!
هذه الضجّة بدأت – كما ذكرنا – بعد حرب تموز وانتصار حزب الله في لبنان، وجولة وزيرة الخارجية الأمريكية في البلدان المعتدلة!!!
وقبل ذلك أثيرت حول كل العالم الإسلامي ضجّة تحت عنوان «الإرهاب» وأصبح جميع المسلمين مستهدفين باسم «مكافحة الإرهاب»، ثم جاءت حادثة 11 سبتمبر في هذا السياق لتُتخذ ذريعة للتصعيد، بل للهجوم على أفغانستان ثم العراق. بل للتتخذ ذريعة لتدخّل سافر ذريع في دائرة سيادة بلدان العالم الإسلامي. شاهدنا مظاهرها على رقعة ممتدة من اندنوسيا حتى المغرب. وأدّى إلى صراعات متنوعة والى تراجع رهيب في مواقف القيادات السياسية ، وصل إلى حذف الآيات القرآنية التي لا تستسيغها أمريكا والصهيونية من الكتب الدراسية، والى جرّ من لم نتوقّع جرّه إلى الجلوس مع الصهاينة، وقرع الكؤوس مع بوش.
لا نريد أن نتحدّث عن المأساة التي يشهدها النظام السياسي في منطقتنا، لأن مجال عملنا ليس سياسيًا بالمعنى الشائع المنحرف لكلمة السياسية. بل نريد أن ننبّه إلى المقدّمات التي أدت إلى احتراق «غزّة».
ومن هذه المقدمات وأقربها إلى العدوان على غزّة كانت الضجّة الطائفية. لذلك نستطيع أن نقول واثقين أنّ دعاة تلك الضجّة وقعوا عن علم أو عن استفزاز المستفزين في عملية التمهيد لذبح أهلنا في غزّة.
إنّ شلال الدم المسفوح في غزّة ظلمًا وعدوانًا يجب أن يكون ماثلاً أمام أعيننا دائمًا نتلقّى منه العِبر والدروس كي لا نقع في شراك أخرى تفجّر لنا غزّة أخرى.
لابدّ أن نفهم ما يحيط بنا من فتن يُرادُ بها تفرقة صفوفنا، وإذهاب ريحنا، ويُراد بنا أن نكون ضعفاء بحيث لا نقدر على المستوى الرسمي أن نعقد قمّة وفتح معبر، ولا نقدر على مستوى العلماء تكوين جبهة متحدة من علماء السنّة والشيعة ليهبّوا هبّة رجل واحد في وجه ما يراد بنا من إذلال.
ولا يفوتنا أن نذكر فخًا أريد به حتمًا إثارة صراع طائفي بين الأسرة اللبنانية حين اغتالوا رفيق الحريري بصورة مفعمة باللوعة والأسى ومفعمة أيضًا بالشكوك والغموض!!
ولا يفوتنا أيضًا أن المشاركين في هذه الفتن الطائفية لا ينحصرون في طائفة دون طائفة، بل إن السنّة والشيعة، علماء ومواطنين مستهدفون بأنواع الاستفزاز وإثارة المشاعر.
«نحن عازمون بإذن الله في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية إلى تأسيس مركز دراسات متخصص في رصد ما يحاك لأمتنا من فتن طائفية لتركيز وتعميق عملنا في توعية الأمّة على ما يراد بها، وندعو علماء الأمة ومكفريها إلى التعاون مع هذا المركز الذي سيحمل اسم «مركز أبحاث وحدة العالم الإسلامي».
نعود إلى جُرحنا النازف في غزّة ونقول علينا أن نعرف كل العوامل الداخلية التي أدت إلى تشجيع العدوّ الصهيوني على ارتكاب جريمته.
ولنتقِ الله في دماء أهلنا وفي وحدة أمتنا وحسبنا الله ونعم الوكيل» انتهى ما أردنا نقله من ذلك الذي كتبناه آنذاك، والحديث واحد بعد حرب تموز وبعد طوفان الأقصى.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية