حديث التقريب ..
علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام محرر العبيد
علي بن الحسين (عليهما السلام)، السجاد، سيد الساجدين، زين العابدين، هو مَنَّ تبقّى من أهل بيت رسول الله في كربلاء، لأنه – لمرضه – لم يستطع المشاركة في نصرة أبيه الحسين.
أُخذ أسيراً إلى الكوفة، ثم إلى الشام، وفي الشام أتيحت له فرصة الصعود على المنبر، فألقى فيه خطبته المعروفة التي عرّف فيها بنفسه وبأهل بيته، وبمالاقاه أهل بيت النبوة في كربلاء، وبذلك فضح يزيد والأمويين، وأثار عواطف الناس، فكان بعد عمته زينب صوت الدعوة ألى استنهاض الأمة وإيقاظها.
كتب عنه فيمن كتب المؤلف المصري عبدالعزيز سيد الأهل وسمّاه محرّر العبيد، لأنه كان يشتري العبيد في مجتمعه ويدخلهم في دورة تربوية وتعليمية ثم يطلق سراحهم ليكونوا دعاة للناس بالسنتهم وبأخلاقهم.
والواقع أنه كان محرر الأمة من عبودية غير الله، فالأمة ابتُليت في زمن الأمويين بسلطة أذلّت الناس، وأرهبتهم وجعلتهم يعيشون من أجل إشباع غرائزهم وأهوائهم وأهدافهم الدنيوية الرخيصة. لذلك أصبحوا كما وصفهم الحسين(ع) «عبيد الدنيا والدين لَعِقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديانون».
لقد وجه الحسين بن علي (ع) باستشهاد وهو وأهل بيته وأصحابه ضربة قاضية الى جدار الارهاب والتخويف الذي فرضته السلطة الحاكمة على الأمة، وكان لابدّ من استمرار عملية تحرير الناس من عبودية الطاغوت وشدّهم بعبودية الله الواحد الأحد، وانتهج في ذلك أسلوب الدعاء والتضرّع والابتهال كي يجد الناس عزّتهم في الله وليحقق مفهوم قوله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾.
وما وصلنا من هذا المنهج العرفاني الذي سنّه سيد الساجدين هو مجموعة من النصوص التي جمعت تحت عنوان: (الصحيفة السجادية) وسميت «زبور آل محمد».
والصحيفة السجادية من التراث الاسلامي الذي يستطيع أن يكون منهج تحرير الإنسان في كل زمان ومكان، ويستطيع أن يكون محورًا لجمع المسلمين بمختلف مذاهبهم حول محور التوحيد وحول مكارم الاخلاق.
وفي الصحيفة السجادية تأكيد على هدف الاسلام وهدف النبي الاكرم في قوله: «انما بُعثت لأُتمّم مكارم الاخلاق».
وفيها يخاطب الامام (ع) ربّه بما يشكل منهجًا تربويًا للأجيال.. فيها أسلوب ارتباط الانسان بالله، وارتباط الانسان بأخيه الإنسان.
يقول: « اللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي، وصَحِّحْ بِمَا عِنْدَكَ يَقِينِي، واسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ مَا فَسَدَ مِنِّي. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، واكْفِنِي مَا يَشْغَلُنِي الِاهْتِمَامُ بِهِ، واسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ، واسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ، وأَغْنِنِي وأَوْسِعْ عَلَيَّ فِي رِزْقِكَ، ولَا تَفْتِنِّي بِالنَّظَرِ، وأَعِزَّنِي ولَا تَبْتَلِيَنِّي بِالْكِبْرِ، وعَبِّدْنِي لَكَ ولَا تُفْسِدْ عِبَادَتِي بِالْعُجْبِ، وأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدِيَ الْخَيْرَ ولَا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ، وهَبْ لِي مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، واعْصِمْنِي مِنَ الْفَخْرِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، ولَا تَرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِلَّا حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، ولَا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِراً إِلَّا أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا ».
ويقول: « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَبْدِلْنِي مِنْ بِغْضَةِ أَهْلِ الشَّنَآنِ الْمَحَبَّةَ، ومِنْ حَسَدِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْمَوَدَّةَ، ومِنْ ظِنَّةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ الثِّقَةَ، ومِنْ عَدَاوَةِ الْأَدْنَيْنَ الْوَلَايَةَ، ومِنْ عُقُوقِ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْمَبَرَّةَ، ومِنْ خِذْلَانِ الْأَقْرَبِينَ النُّصْرَةَ، ومِنْ حُبِّ الْمُدَارِينَ تَصْحِيحَ الْمِقَةِ، ومِنْ رَدِّ الْمُلَابِسِينَ كَرَمَ الْعِشْرَةِ، ومِنْ مَرَارَةِ خَوْفِ الظَّالِمِينَ حَلَاوَةَ الْأَمَنَةِ».
ويقول : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وسَدِّدْنِي لِأَنْ أُعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ، وأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ، وأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ، وأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ، وأُخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إِلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وأَنْ أَشْكُرَ الْحَسَنَةَ، وأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ».
ويقول : «اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي رُوعِي مِنَ التَّمَنِّي والتَّظَنِّي والْحَسَدِ ذِكْراً لِعَظَمَتِكَ، وتَفَكُّراً فِي قُدْرَتِكَ، وتَدْبِيراً عَلَى عَدُوِّكَ، ومَا أَجْرَى عَلَى لِسَانِي مِنْ لَفْظَةِ فُحْشٍ أَوهُجْرٍ أَوشَتْمِ عِرْضٍ أَوشَهَادَةِ بَاطِلٍ أَواغْتِيَابِ مُؤْمِنٍ غَائِبٍ أَوسَبِّ حَاضِرٍ ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ نُطْقاً بِالْحَمْدِ لَكَ، وإِغْرَاقاً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ، وذَهَاباً فِي تَمْجِيدِكَ، وشُكْراً لِنِعْمَتِكَ، واعْتِرَافاً بِإِحْسَانِكَ، وإِحْصَاءً لِمِنَنِكَ».
ويقول : «اللَّهُمَّ خُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِي مَا يُخَلِّصُهَا، وأَبْقِ لِنَفْسِي مِنْ نَفْسِي مَا يُصْلِحُهَا، فَإِنَّ نَفْسِي هَالِكَةٌ أَوتَعْصِمَهَا. اللَّهُمَّ أَنْتَ عُدَّتِي إِنْ حَزِنْتُ، وأَنْتَ مُنْتَجَعِي إِنْ حُرِمْتُ، وبِكَ اسْتِغَاثَتِي إِنْ كَرِثْتُ، وعِنْدَكَ مِمَّا فَاتَ خَلَفٌ، ولِمَا فَسَدَ صَلَاحٌ، وفِيمَا أَنْكَرْتَ تَغْيِيرٌ، فَامْنُنْ عَلَيَّ قَبْلَ الْبَلَاءِ بِالْعَافِيَةِ، وقَبْلَ الْطَّلَبِ بِالْجِدَةِ، وقَبْلَ الضَّلَالِ بِالرَّشَادِ، واكْفِنِي مَئُونَةَ مَعَرَّةِ الْعِبَادِ، وهَبْ لِي أَمْنَ يَوْمِ الْمَعَادِ، وامْنَحْنِي حُسْنَ الْإِرْشَادِ».
هذا هو نهج العرفان الذي أشاعه علي بن الحسين(ع) في الأمة ليخرج البشر من الذلة الى العزّة، وليواصل منهج جدّه المصطفى والمرتضى وأبيه الحسين الذي كان هدفه الاصلاح في أمة جدّ رسول الله(ص).
ومن الصدفة أن يكون يوم استشهاد زين العابدين 25 محرم هو يوم استشهاد العارف بالله اسماعيل هنية الذي عرف بمنهجه العرفاني في حياته حشره الله مع أوليائه من النبيين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية