حديث التقريب .. ارتقاء سيّد المقاومة والتقريب

حديث التقريب .. ارتقاء سيّد المقاومة والتقريب

ارتقاء سيّد المقاومة والتقريب

بعد ثلاثين عامًا من قيادة جبهة المقاومة ارتقى السيد حسن نصر الله ليكون إلى جوار من تمنى دائمًا أن يكون معهم من الشهداء والصديقين والأنبياء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. ارتقى مقاومًا يرفض الذل والهوان والظلم والطغيان وهو يردد مع جماهيره «هيهات منّا الذلّة» ارتقى وهو ثابت في خندقه بالضاحية دون أن يُرهبه التهديد والوعيد وما يرتكبه العدوّ الصهيوني من إبادة وقتل وتشريد.

ارتقى وقد خلّف بعده نهجًا سيبقى خالدًا للأجيال في الصمود والمقاومة والذوب في ذات الله.

ارتقى وهو لمن قالوا له: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾. يقول: ﴿ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

لقد حوّل سيّد المقاومة قضية فلسطين – وهي قضية الأمة – إلى الرقم الصعب في معادلات السياسة العالمية، بعد أن كانت سلعة يتاجر بها المتاجرون ويساوم عليها سماسرة السياسة المنافقون.

ارتقى ليلقن المطبعين درسًا في العزّة والكرامة والشرف والإنسانية.

سيد حسن نصر الله لم يكن فردًا بل كان نهجًا ومدرسة وستبقى الأجيال تتلقى دروسه حتى زوال العدوّ الصهيوني، بل حتى زوال الظلم وسيادة العدل في ربوع المعمورة. 

لقد تربّى شهيدنا الكبير في مدرسة الإمام الخميني ومدرسة الشهيد محمد باقر الصدر، وظل يواصل تلقي دروسه من تعليمات الإمام الخامنئي، ويسعى في كل مشاريعه إلى أن يحقق أمنية الإمامين في استئصال الغدة السرطانية من جسد الأمة الإسلامية.

عاش الرجل متنقلاً بين محراب العبادة والتهجّد ومحراب الجهاد والدفاع عن كرامة الأمة وعزّتها في ساحات الجهاد.

عاش وهو يحمل هموم الأمة لِما ينزل بها من سيطرة الطواغيت وسيطرة المتخاذلين وما ينزل بالشعوب الإسلامية من تآمر سياسي وثقافي ومن إقامة قواعد عسكرية لارهاب هذه الشعوب.

عاش وهو يسمع من أبناء جلدته أحيانًا من مواقف ظالمة فيردد في نفسه: وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنّد.

لقد كان تلميذًا وفيًا صادقًا لأساتذته الراحلين فترى في نبرات صوته وخطابه ما يذكرنا بالإمام الخميني، وفي سلوكه ومواقفه وفكره الثابب وتواضعه مايذكرنا بالإمام محمد باقر الصدر، إنه بحقّ مدرسة يلخّص دروس الإحيائيين المعاصرين.

ومن المؤكد أن الساعين على طريق الإحياء هم ساعون أيضًا على طريق التقريب، لأن طبيعة الإحياء هي أن تدعو إلى أن ترتبط أجزاء الأمة عضويًا، وبدون هذا الارتباط وتقارب الأعضاء و وجود المواساة بينها لا يمكن أن يكون الجسد حيًا.

فالجسم الحي «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وهكذا كان شهيدنا الكبير السيد حسن نصر الله، كان داعية تقريب فصائل الأمة ومذاهبها وداعية تلاحم شعوبها في سبيل تحقيق عزتها وكرامتها. لقد تجاوز الحالة الطائفية بامتياز، فقد قاد حزب الله لأن يكون سندًا لحماس رغم تباين مذهب الفريقين.

لم يكن يرى في حماس أنها على غير مذهبه.. أبدًا فقد جمع الهدف الكبير هدف تحرير فلسطين بين حزب الله الشيعي وحماس السنية، ودائمًا تجمع الأهداف الكبيرة بين فصائل المجاهدين المقاومين، ولا يفرّق بينهم سوى أعدائهم من الصهاينة وعملاء الصهاينة والجبهة المساندة للصهاينة.

اللوبي الصهيوني يرى في التفرقة الطائفية مكملة لمشروع الارهاب الصهيوني. واتضح هذا أكثر بعد استشهاد سيد المقاومة فقد هبّت موجة عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي لاثارة الفتنة الطائفية، وامتدت هذه الفتنة الى بعض شوارع المخدوعين أو العملاء، وهذا دليل واضح على أن مشروع الهيمنة الصهيونية – في رأي الصهاينة – لا يكتمل إلا باثارة النعرات الطائفية. وهذا درس كبير نقرأء في سطور الغارة الصهيونية على غزّة ولبنان وسوريا واليمن، وملخصه أن المقاومة لا يكتمل مشروعها دون أن تكون مقرونة بعمل جاد في حقل وحدة الأمة والتقريب بين المذاهب الإسلامية.

طوبى لك سيدي سيد المقاومة والتقريب، فقد نلت وسام الشهادة وتركت لنا مسؤولية مواصلة طريقك، ونسأل الله أن يوفقنا لحمل هذه المسؤولية، وأداء هذه الأمانة إنه نعم المولى ونعم النصير.

 

                                             المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

                                                               الشؤون الدولية