حديث التقريب ..
دماء الشهداء و وحدة الساحات
حديث التقريب .. دماء الشهداء و وحدة الساحات
منذ أن دنّس المستعمرون بلاد المسلمين تجري المحاولات لتجزئة العالم الإسلامي وخلق حواجز نفسية واقليمية وقومية ومذهبية بين بلدانه، ثم تحويل تلك الحواجز إلى بُؤر صراع تُسفك فيه الدماء، وتُستنزفُ فيه الطاقات وتهدم جسور التواصل والتقارب والتعارف بين المسلمين.
هذه المحالاوت تضاعفت واشتدت بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران، فمنذ أوائل الثمانينات هبّت في العالم الإسلامي عاصفة من التناحر القومي والطائفي والاقليمي، ولا تزال قائمة بدرجة وأخرى تغذيها وسائل الاعلام الاجنبية و وسائل إعلام ذوي القربى أحيانًا مع الأسف.
لقد بلغ الأمر بزعيم «عربي» أن يعلّق على موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قضية فلسطين وعلى شعار الشعب الإيراني في أيام انتصار ثورته: اليوم طهران غدا فلسطين، أن يعلّق بقوله: ما لإيران وقضية فلسطين؟!
إنها لا تخصهم، فإيران تريد أن تتخذ من قضية فلسطين مسمار جحا من أجل التدخل في الشؤون العربية؟!! نعم هكذا بصراحة، وهناك من لم يجرؤ على التصريح كان يحمل في نفسه هذا الشعور ذاته.
لم تؤثر هذه المواقف المولمة على عزم الجمهورية الإسلامية وهدفها الرسالي تجاه القضية الفلسطينية، بل واصلت المسير وصعّدت من مستوى الدعم والاسناد، وكان أن شهدت الساحة الفلسطينية الانتفاضات وظهرت فصائل المقاومة المسلحة واشتد الضغط على العدوّ الصهيوني، وتحوّل من عدوّ شرس يريد أن يتمدد في المنطقة كلها ويريد إقامة دولته من النيل الى الفرات إلى كيان مهزوم خائف يلجأ إلى أمريكا لتحميه وإلى الغرب ليسانده، بل لجأ إلى إحاطة نفسه بجدار فاصل كي يحتمي وراءه من غضب الشعب الفلسطيني.
لا نريد استعراض ما مُنى به العدو الاسرائيلي من هزائم في العقود الاخيرة، بل نريد الوقوف قليلا عند طوفان الأقصى، وما خلقه من وحدة ساحات محور المقاومة في فلسطين واليمن ولبنان والعراق وإيران، بل بين فصائل الشعب الفلسطيني نفسها، وبين الشعوب العربية حتى في البلدان التي استسلمت لمعاهدات الذل والخيانة والتطبيع مع العدوّ، بل أكثر من ذلك بين شعوب العالم في أمريكا واوربا خاصة بين الطلبة الشباب رغم تعرضهم لألوان الارهاب.
وأخيرًا شهدت ساحة الصراع مع العدوّ الصهيوني حوادث رغم مرارتها فإنها أكدت قدرة دماء الشهداء على تجاوز الحدود والسدود وعلى خلق وحدة بين الساحات على المستوى العالمي متجاوزة الحواجز القومية والاقليمية والمذهبية،
على رأس هذه الحوادث استشهاد اسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في لبنان.
هاتان الحادثتان تدلان على أن فصائل المقاومة ماضيتان في الدفاع عن شرف الأمة حتى ولو كلفها ذلك فقدان كبار القادة.
وتدلان على أن محور المقاومة قد أثبت عمليا أنه مؤمن بقوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾.
وتدلان على أن فقدان قائد سوف يؤدي الى قيام قائد آخر يواصل السير:
إذا سيد منا خلا قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول
وتدلان على أن الاصطفاف الذي اراد أن يخلقه الاعداء في العالم الإسلامي بين سني وشيعي وبين عربي وعجمي تحول اليوم الى اصطفاف بين جبهة مدافعة عن شرف الامة وكرامتها ومضحية بالنفس والنفيس وبأعز ما تملك من أجل العزّة والتحرر وعدم الخضوع للاذلال وبين جبهة استسلمت لألوان الذل والهوان من أجل بقائها على قيد حياةٍ هي أقرب إلى حياة البهائم التي تكترش من أعلافها ولا تدري ما يُراد بها.
إن العالم الإسلامي بل العالم أجمع يمرّ بمرحلة حساسة هامة تقاربت فيها شعوبٌ ماكان الانسان يحلم بتقاربها الى هذا الحدّ الكبير، وتألّفت قلوب أصبحت بنعمة الله متآخية، وهي فرصة لكل دعاة الوحدة والتقريب وفرصة لكل دعاة الإنسانية والسلام والمحبة، والقادم ببشر بإذن الله باندحار كل قوى الشرّ والظلام والطغيان وعلى رأسها أمريكا والعدوّ الصهيوني. وماذلك على الله بعزيز.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية