حديث التقريب.. حقوق الإنسان والجشع الرأسمالي
حقوق الإنسان لا يمكن أن تتحقق في ظل شعارات يرفعها أعداء البشرية ممن ﴿يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ بل تتحقق في ظل سيادة منطق ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ .
تمخّضت مساعي الأمم المتحدة في حقل صيانة حقوق الإنسان عن ولادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديسمبر 1948، وبعدها توالت مبادرات إقليمية لوضع إعلانات مرافقة.
وفي عام 1990 صدر إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام بمساعي منظمة التعاون الإسلامي التي كانت تعرف آنذاك بمنظمة المؤتمر الإسلامي.
خلال هذه الأعوام الخمسة والسبعين من تلك الإعلانات المتوالية شهدت الساحة العالمية أعظم الكوارث وأشدّ الفجائع بحقوق الإنسان، وكان وراءها الجشع الرأسمالي الذي لا يحدّه حدّ، والصراع المصلحي الذي يأتي على الأخضر واليابس.
المآسي التي حلّت بشعب البوسنة والهرسك والمجازر التي ارتكبت في ميانمار والظلم والقتل والدمار اليومي الذي يحل بشعب فلسطين هو نتيجة لغياب مفهوم حقوق الإنسان من الضمير والوجدان وإن كان محبّرًا على الورق في رفوف المؤسسات الدولية .
لقد تعددت صور سحق حقوق الإنسان في العالم، وتعددت ألوانها وتعقّدت مثلما تعقّدت أجهزة غمط هذه الحقوق وتعقّدت سبل انتهاك كرامة الإنسان.
لقد اقتضت المصالح المادية المسعورة الملتهبة أن تشيع في الساحة العالمية روح الكراهية للآخر، حتى أصبح المسلمون في البلاد الغربية يخشون على أنفسهم وأهليهم من النزعة العنصرية التي ثقتل الأفراد وتهجم على المؤسسات الخيرية والمساجد والمراكز الإسلامية.
واقتضت هذه المصالح تدمير أفغانستان والاجهاز على العراق مباشرة وتدمير اليمن وقتل شعبه وتجويعه بالنيابة.
والمضحك المبكي، أن القوى الطاغية الساحقة لحقوق الإنسان تمتلك أكبر الكارتلات الاعلامية التي ترفع من خلالها عقيرتها منادية بحقوق الإنسان!!!
- تنادي بحقوق الإنسان وهي صاحبة مشاريع الإرهاب العالمية التي تسحق القيم الإنسانية بأجمعها. لقد أسست «داعش» التي عاثت في بلداننا الإسلامية فسادًا وذبحت ودمّرت باسم الإسلام ضمن مشروع مزدوج هو التدمير والقتل وكذلك تشويه صورة الإسلام.
- تنادي بحقوق الإنسان وهي تحتضن الكيان الصهيوني وتغدق عليه ألوان الدعم والمساعدات، في نفس الوقت الذي يزداد فيه هذا الكيان إيغالاً في دماء الفلسطينيين وانتهاكًا لحرماتهم وللقوانين والاعراف الدولية كلها.
- تنادي بحقوق الإنسان وتحتضن الارهابيين والقتلة والمجرمين وتعطيهم الوعود تلو الوعود بدعمهم للوصول إلى أهدافهم الاجرامية. منظمة ما يسمى «مجاهدين خلق» الإيرانية يعرفها العدوّ والصديق بفظائع جرائمها وبقتلها آلاف الأبرياء في إيران، ثم فرار أصحابها إلى العراق أيام نظام صدام، لتكون إلى جانب هذا النظام في الاجهاز على إيران في الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية. وها هي الآن في حماية علنية من أمريكا وبلدان الهيمنة العالمية تعمل لتحقيق أهداف أسيادها في محاولة لإثارة الاختلافات الطائفية والقومية في إيران.
إن حقوق الإنسان لا يمكن أن تتحقق في ظل شعارات يرفعها أعداء البشرية ممن ﴿يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ بل تتحقق في ظل سيادة منطق ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ .. تتحقق في ظل سيادة منطق المتحررين من مصالحهم المادية، والساعين إلى تحقيق كمالهم في ظل مرضاة الله.
هذا هو الأمل الذي يجب أن تسعى إليه البشرية في مستقبل أيامها. وهذا هو الذي يجب أن تضعه نصب عينيها في مسعاها لتحقيق ما يسعى إليه الإنسان من حقوق.
لابدّ للإنسانية أن تتجه إلى هدف إحلال الوئام بين البشرية ضمن مقولة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) «الإنسان إمام أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».. أن تتجه نحو التركيز على نزع الأغلال من النفوس.. أغلال المصالح المادية والقومية والطائفية، وعندئذ تتحقق الأخوة الإنسانية وإلى هذا يشير القرآن الكريم في حديثة عن أهل الجنة، وهو حديث ينطبق أيضًا على البشر في هذا الدنيا حيث يقول: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ .
إن البشرية رغم تعثرها بموانع المصالح المادية فإنها تسير إلى التكامل، وتقطع بفضل وسائل الاتصال خطوات رحبة نحو الثورة على هذه الموانع والسدود، وعلى أصحاب هذه الموانع والسدود. والثورة البشرية من أجل إحلال الإنسانية في ربوع المعمورة قادمة بإذن الله تعالى، فذالك وعد الله سبحانه: ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية