الدكتور شهرياري :
السلام يتحقق عبر الحوار الاخلاقي ومقاومة الاستكبار العالمي
قال الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية الشيخ الدكتور حميد شهرياري : إن تحقيق السلام العادل والحقيقي لا يكون إلا عبر الحوار الاخلاقي، ومقاومة الاستكبار، وإيجاد توازن بين القوة الصلبة والناعمة.
جاء ذلك في كلمة الدكتور شهرياري، خلال اجتماع الدورة التاسعة لمنتدى السلام العالمي الدولي؛ حيث أعرب عن تقديره لجهود البروفيسور «دين شمس الدين» رئيس المجمع العالمي للسلام، رئيس مركز الحوار والتعاون بين الحضارات، ودوره في تعزيز مفهوم الوسطية في الإسلام، وكذلك شكر «تان سريلي كيم يو» مؤسس مركز التعليم متعدد الثقافات «تشنغ هو»، على دوره في نشر قيم الـ "كونفوشيوسية" (عقيدة الوسطية أو الاعتدال).
وأكد الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، بأن "مفهوم الوسطية في الإسلام وقيم «جونغ يونغ» الكونفوشيوسية باعتبارهما نظريتين متوازنتين، تتيحان فرصة ثمينة لتحقيق سلام عالمي مستدام وحقيقي.
واضاف : نحن اليوم نواجه مشكلة جوهرية لم تجد البشرية لها حلاً فعالًا بعد؛ حيث نعيش في عالم يتحدث فيه الجميع عن السلام، لكن ما نشهده على أرض الواقع هو الحرب، والمؤسسات الدولية التي أُنشئت لحفظ السلام العالمي أصبحت عاجزة، فيما تواصل القوى الإمبريالية والمعتدية السعي وراء مصالحها، وتسفك دماء الأبرياء لتحقيق تلك الاجندات.
وتابع فضيلته : نحن نتحدث عن الحوار، لكن في المقابل تُقصف منازل المدنيين، وقد استشهد في غزة أكثر من 67 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، وأُصيب أكثر من 160 ألف آخرين؛ لافتا الى ان كثيرا من هؤلاء الضحايا كانوا أطباء، ومنتسبين الى الكوادر الطبية والتمريض في مستشفيات القطاع، فضلا عن الصحفيين الذين ارتقوا خلال القيام بمهماتهم الإنسانية في نقل الحقائق على ارض غزة بكل شجاعة ووسط ألسنة اللهب.
وتساءل الامين العام للمجمع العالمي للتقريب، بانه "في مواجهة مثل هذه الجرائم، ما الذي فعله العالم الذي يُطلق عليه "متحضّر"؟! وما هي الأدوات الفعالة التي قدمها لتحقيق السلام؟ لماذا التزم الصمت؟ بل ما هو أسوأ، لماذا وقف إلى جانب المعتدين، وبدلًا من ردعهم، قام بتسليحهم؟!
وأضاف شهرياري : التواطؤ مع الظلم هو خيانة للقيم الإنسانية، في كل مرة نفرح بانتهاء حرب وإحلال السلام، تندلع مواجهة أخرى كوحش ينهض من أرض أخرى ويثور؛ لم نتعافَ بعد من آلام غزة ولبنان وسوريا وإيران، وها نحن نسمع الآن صوت الحرب في السودان، لماذا يحدث ذلك؟! هل يمكن للحوار والمؤتمرات أن تحل مشاكلنا؟! ما هو الحل الحقيقي؟!
وفي معرض الإجابة على التساؤلات بشان "إمكانية الحوار في ظل هشاشة الأسس الأخلاقية العالمية"، أشار فضيلته إلى خمس نقاط اساسية، موضحا ان "الجواب هو نعم ولا؛ نعم، لأن الحوار هو الخطوة الأولى نحو السلام".
ثم أوضح الدكتور شهرياري النقطة الثانية بالقول : السلام هو عملية، وليس حدثًا واحدًا؛ وبما يلزم علينا أن نشارك في الحوار، ونجد أطرًا مشتركة، ونتوصل إلى اتفاقات، ونلتزم بها، ونراقب تنفيذها من أجل الوصول إلى سلام عادل ومستدام.
واردف، فيما خص النقطة الثالثة : لتغيير السياسات العالمية، يجب أولًا أن نغيّر الخطابات العالمية، بمعنى ان تحل خطابات التراحم، والتعددية الثقافية، والتعددية القطبية محل خطابات الكراهية، ونفي الهوية، والأحادية.
وحول النقطة الرابعة، أشار الدكتور شهرياري إلى، أن "تغيير السياسات لا يمكن أن يستمر بدون حوار فكري وأخلاقي؛ حيث يجب أن تستند قراراتنا السياسية والعملية إلى العقل والعدالة، لان الفعل بدون فكر أو أخلاق لن يدوم".
وفي النقطة الخامسة، اكد الحاجة إلى ضمير عام لمقاومة الاستكبار العالمي، وقال : الجهل والتعصب يقفان في مواجهة السلام المستدام، وعندما تستيقظ البشرية وتتخلى عن التعصب القومي والطائفي، سيتوفر حينها الأساس لتحقيق سلام عادل.
واضاف : هذه الخطوات وحدها لا تكفي.. والسلام لا يدوم بدون قوة، ولو أردنا أن نكون واقعيين لا مجرد مثاليين، فعلينا أن ندرك بأن السلام لا يمكن أن يبقى مجرد أمنيات وكلمات.
واوضح الشيخ شهرياري : من دون قوة رادعة، يبقى السلام هشًا، وهذا الردع يتطلب القوة الصلبة والقوة الناعمة؛ مبينا انه "عندما يستخدم المجرمون القوة الصلبة، يجب أن نواجههم بالقوة ومع ذلك فإن العدو يحرّف الروايات أيضًا، قد ندافع عن أرضنا بالقوة الصلبة، لكن لا يمكننا كسب القلوب والعقول بالسلاح، وهذا يتطلب القوة الناعمة وبما يشمل القوة السياسية التي تتيح الحوار، والقوة الاقتصادية التي تمنع الفقر، والقوة الأخلاقية التي تبقي الضمير حيًا، والقوة المؤسسية التي تنظم المجتمع، والقوة الروحية التي تعزز إيمان الصالحين.. نحن بحاجة إلى توازن بين القوة الصلبة والناعمة".
وتابع الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية: كما يجب أن تكون القوة الصلبة والناعمة نفسها خاضعة لضوابط أخلاقية، وإلا فإنها تتحول إلى نقيض الاهداف المرجوة منها؛ مؤكدا على، انه "فقط من يمتلكون الروحانية والصدق الأخلاقي يمكنهم استخدام هذه القوة بشكل صحيح".
ومضى الى القول : في الرؤية الأخلاقية-الإنسانية، ان هدف القوة ليس التغلب على الآخرين، بل كبح العنف ودعم العدالة؛ محذرا من، ان "القوة بدون ضوابط أخلاقية تؤدي إلى الحرب"، ولافتا الى ان "القوة الشرعية تحمي المظلوم وتمنع دوامة الانتقام، وهذه القوة لا تتحقق إلا تحت قيادة شجاعة، متدينة، وأخلاقية".
وفي ختام حديثه، شدد الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية على، أن "السلام العادل والدائم يتطلب عنصرين أساسيين؛ الحوار من أجل التفاهم والمصالحة، والمقاومة في وجه القوة القمعية، وبناء قوة ناعمة متوازنة لمواجهة الروايات المضللة".
تجدر الإشارة إلى أن المنتدى العالمي التاسع للسلام انطلق، يوم الاحد 9 تشرين الثاني / نوفمبر 2025م بمشاركة أكثر من 60 شخصية من 24 دولة، الى جانب 110 شخصيات وطنية من الزعامات الدينية، والأكاديميين، ونشطاء السلام؛ في العاصمة الإندونيسية جاكرتا.
