حديث التقريب ..
نصر الله.. مدرسة متواصلة

نصر الله.. مدرسة متواصلة
إذا كان نصر الله أمينا عاما لحزب الله فهو اليوم قد تحوّل إلى مدرسة متواصلة عبر الاجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
مدرسة ذات معالم إنسانية واسعة يصعب الحديث عنها ولو كتبت في ذلك مجلدات.. كل من له أدنى معرفة بالرجل يعرف أن قولنا هذا في نصر الله ليس فيه مبالغة.
فالقاصي والداني رأى في الرجل أسطورة في الدراية والعقلانية والعلم والأصالة والمعاصرة والمقاومة التي ليس لها حدّ.
لقد غادرنا فجأة دون أن نستوعب في أذهاننا أبعاد مدرسته، فما بالك أن ندوّن هذه الأبعاد في سِقر خالد تستلهم منه الاجيال زاد الإنسانية والكمال البشري.
لقد تجمّعت فيه خصال أجداده الطيبين الطاهرين. فقد ورث من جدّه رسول الله ماقال فيه الله سبحانه: ﴿إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. و ورث من جدّه علي أمير المؤمنين تلك الشجاعة التي قال عنها رسول الله(ص) (فهو «علي» أشجعهم قلبًا وأثبتهم وأربطهم جأشًا) وورث من جدّه الحسين(ع) رفضَ الذل والهوان بقوله: «هيات منّا الذلة» و ورث من آل بيت رسول الله(ص) صفات الإنسان الكامل الذي يليق به أن يكون خليفة الله في الأرض.
لا يمكن كما ذكرنا استيعاب معالم شخصية السيد نصر الله، لكن الذي يجب التأكيد عليه هنا هو ماذا نفعل لصيانة هذه المدرسة، ونقلها الى أجيالنا القادمة في الفكر والعاطفة والهمّة والسموّ .. والمقاومة.. مقاومة أعداء الإنسانية الذين يريدون أن يستضعفوا الشعوب ويُذلّوهم ويسلبوهم شخصيتهم الإنسانية.
لقد تجاوز السيد الحواجز الطائفية والقومية، فأصبح يعيش الساحة الإنسانية بأوسع أبعادها. وحقًا ما قيل أنه «أيقن أن وحدة الأمة فريضة لازمة فجعلها أولى أولوياته، وعلم بأنها المنطلق لوحدة إنسانية تمثل هدفًا ومطلبًا لا غنى عنها في مسار صناعة تاريخ إنساني جديد، في وقت يطغى مشروع غربي تجرّد من القيم الإنسانية، وبات مهددًا لها. لهذا كان نصر الله جسر الوصل والتواصل.
إن الاهتمام العالمي بتشييع السيد الشهيد كبير للغاية. لا في بيروت فحسب، بل في أقطار مختلفة بصورة رمزية، ولو قُدر له أن يقول شيئًا للمشيعين لقال لهم: واصلوا المسير.. مسير الوحدة والمقاومة ورفض الذلّ حتى تحرير القدس وفلسطين.
لخاطبهم بما خاطب به القرآن ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
أمتنا بحاجة ماسة خاصة في هذه الظروف إلى إحياء نهج نصر الله في شؤونها الفردية والاجتماعية والنفسية كي تواصل طريقها نحو أهدافها المنشودة في القسط والعدل والعزّة والكرامة.
بحاجة أن يكون خطابها مثل خطاب نصر الله داعيًا إلى الأخوّة الإنسانية ومطالبًا بنزع الاغلال من الصدور.. الاغلال العنصرية والطائفية كمقدمة لازمة لتحقيق تلك الاخوّة كما قال سبحانه ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا..﴾.
إننا اليوم نتحمل مسؤولية تحويل مدرسة نصر الله إلى ثقافة عامة تقرأها الاجيال عبر المناهج الدراسية و وسائل الاعلام وسائر وسائل التأثير الثقافي.
ظاهرة الشهيد نصر الله نادرة في التاريخ، وهي قادرة على تصعيد همَم الامة وإيقاظها، فلابدّ من تظافر الهمم لاستثمارها. إنه فقدان كبير يجب أن يعوض باستمرار النهج والمسير، ومن الله التوفيق.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية