حديث التقريب..
لو كان السيد المسيح عليه السلام موجوداً اليوم
لو كان السيد المسيح عليه السلام موجودًا اليوم بين ظهرانينا، لما توانى لحظة عن مقارعة رؤوس الظلم والاستكبار العالمي، ولما تحمّل لحظة ما يعانيه ملايين البشر من جوع وضياع على يد القوى المهيمنة التي تستثمر الشعوب وتجرها إلى الحروب والفساد والصراع.
لقد أعلن المسيحيون في ايران، مثل الكثير من المسيحيين في العالم، إلغاء احتفالاتهم بعيد الميلاد تضامناً مع ما يعانيه أهلنا في غزة.وكانت الأقليات المسيحية في ايران تحتفل سنويا بعيد الميلاد وتتوفر لهم كافة الأمكانات لهذه الاحتفالات، بل إن السيد القائد كان يحضر الى بيوت الشهداء المسيحيين ويجلس معهم ويتحدث إليهم ويتناول الفاكهة والحلويات معهم؛ وبما يدل على أن الجمهورية الاسلامية لا يقوم تصرفها مع الآخر على أساس فكر أو دين.
وهذه مقتطفات من رؤى السيد القائد تجاه السيد المسيح (ع) والمسيحية، التي تبين هذا التوجه نحو الآخر والانفتاح على الأديان السماوية الأخرى :
«بُعث عيسى المسيح (س) وهو مجهّز بالمعجزة وبالدعوة الإلهية لإنقاذ البشرية وإخراجها من ظلمات الشرك والكفر والجهل والظلم إلى نور المعرفة والعدل وعبودية ربّ العالمين.
وفي كل مدة إقامته بين البشر لم يتوان لحظة عن مكافحة الشرور والدعوة إلى الصالحات. وهذا درس للمؤمنين بنبوّة هذا النبي العظيم من المسيحيين والمسلمين.
البشرية اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لهذه التعاليم، والإسلام الذي هو المكمل لتعاليم المسيح، وضع الدعوة إلى الخير والصلاح في رأس قائمة مناهجه.
الزمر الضالة باستخدامها القوى الطبيعية التي حصلوا عليها ببركة الموهبة العلمية الإلهية تتحرك من اتجاه متعارض مع تلك التعاليم الإلهية. وبذلك يزيدون من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق أتباع الأديان الالهية.
قوى الهيمنة العالمية الجاهلة بتعاليم السيد المسيح تعمل، باسم المسيحية وتحت غطائها، على تضييق الخناق على الشعوب المظلومة، ولا تدع نوعًا من الظلم إلا ومارسته.
مكانة السيد المسيح عليه السلام في أنظار المسلمين لا يقل دون شك عن مكانته وقدره لدى المسيحيين المؤمنين بالمسيحية. هذا النبي الكريم بذل خلال حياته بين الناس جهدًا متواصلاً لمقارعة الظلم والعدوان والفساد، والوقوف بوجه أولئك الذين يستغلون سلطتهم وأموالهم لوضع الأغلال في أعناق الشعوب وجرّها إلى جحيم الدنيا والآخرة. العذابات التي تحملها هذا النبي الكبير منذ طفولته ـ فالله سبحانه أعطاه النبوة منذ طفولته ـ كلها كانت في هذا الطريق.
إنّ المتوقع من أتباع السيد المسيح، وكل الذين يؤمنون بأنه ذو مكانه عظيمة وذو معنوية سامية متناسبة مع مكانته الرفيعة، أن يتأسّوا به على هذا الطريق.
في الجمهورية الإسلامية الحرية متوفرة لأي لون من ألوان الفكر. نتعامل مع الاقليات الدينية تعاملاً أخويًا وديًا. لا يخطر في ذهننا لدى التعامل معهم أنهم يعتنقون دينًا آخر أو أنهم لا يؤمنون بديننا وإسلامنا، حتى أننا نزورهم في بيوتهم. وأنا منذ سنوات أذهب عادة بمناسة السنة المسيحية الجديدة إلى بيوت الشهداء المسيحيين، وأجلس مع العائلة، ونتحدث إليهم ونتناول الفاكهة والحلويات معهم، ولا يخطر في ذهننا أن هؤلاء يعتنقون دينًا آخر. نحن في الجمهورية الإسلامية لا يحدّد تصرفنا تجاه الآخر ما يحمله من فكر أو دين، أبدًا.
إنّ الرئيس الامريكي حين فلتت من لسانه بعد واقعة الحادي عشر من سبتمبر عبارة "الحرب الصليبية" ثم فهم أنه أخطأ وما كان ينبغي أن يتلفظ بذلك، وسعى في الترقيع، حينذاك لم يلتفت أحد بما تنطوي عليه عبارة «الحرب الصليبية». إنها تعني الحرب بين الشعوب المسيحية والشعوب المسلمة. إنهم يستهدفون التمهيد لصراع الشعوب، على المسلمين والمسيحيين في العالم أن يكونوا على وعي شديد كي لا يصبحوا أداة بيد هؤلاء المتسلطين الخبثاء. نحن نرى اليوم اليد الصهيونية تمهّد لذلك في العالم المسيحي وفي أوروبا.
لايجوز أن يعترينا شك في أن الدوافع الصليبية، تحت أقنعة خادعة كالديمقراطية وحقوق الإنسان، تحدو معظم أو كلّ القوى الغربية وتحركها. إن هؤلاء الذين يناصبون العداء اليوم لكل ظاهرة إسلامية ولكل نبض متحرك في المسلمين، لا يؤمنون أيضا بالسيد المسيح ولا بالتعاليم المسيحية الحقيقية. هؤلاء لا يؤمنون إلاّ بسلطتهم الجامحة وبمصالحهم وأهوائهم وعدائهم المستمر تجاه كل من يهدد تسلطهم الظالم.
ذلك النبي الكريم، وكلمة الله السامية، حمل مشعل الهداية وإنقاذ البشر في عصر الضلال والجهل والظلم وضياع القيم الإنسانية، ونهض لمقارعة القوى الظالمة المستندة إلى السلطة والمال، وبذل الجهد لنشر العدالة والرحمة والتوحيد.
إنّ المؤمنين بهذا النبي الكريم – أعنى المسيحيين والمسلمين – يجب أن يتجهوا إلى تعاليم الأنبياء وصراطهم وأن ينشروا الفضائل الإنسانية وفق تعاليم أساتذة البشرية هؤلاء، لإحلال النظام الدولي اللائق.
لو كان السيد المسيح عليه السلام موجودًا اليوم بين ظهرانينا لما توانى لحظة عن مقارعة رؤوس الظلم والاستكبار العالمي، ولما تحمّل لحظة ما يعانيه ملايين البشر من جوع وضياع على يد القوى المهيمنة التي تستثمر الشعوب وتجرها إلى الحروب والفساد والصراع.»
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية