حديث التقريب ..

خصوصية العلاقة بين إيران والعالم العربي بمناسبة الانفراج في العلاقات الإيرانية المصرية

خصوصية العلاقة بين إيران والعالم العربي  بمناسبة الانفراج في العلاقات الإيرانية المصرية

خصوصية العلاقة بين إيران والعالم العربي

بمناسبة الانفراج في العلاقات الإيرانية المصرية

لا نقصد بالعلاقات طبعًا المراودات السياسية والتجارية والسياحية، فهذه لا تشـكل إلا السطح الظاهر من العلاقات التي يجب أن يكون لها عمق إنساني يضمن لها الديمومة واستمرار العطاء. إن الاقتراب بين أي جزأين من أجزاء العالم الإسلامي من الممكن أن يكون له هذا العمق الإنساني إذا لم يقتصر على المؤسسات ذات الأهداف المحدودة، وإذا اتسع ليشمل البعد الشعبي أيضاً. ومن الممكن أن يكون اللقاء الشعبي عبر النخبات المثقفة، شرط أن تكون النخبات معبرة عن الضمير الشعبي وعن عمق وجدان الإنسان في المنظومة الإسلامية… لكن العلاقات العربيـــة - الإيرانية لها خصوصيتها بين أية علاقة أخرى في إطار العالم الإسلامي. فالعرب والإيرانيون يمثلون السدّة واللحمة في صرح الحضارة الإسلامية، ومن هنا فإنهما في حوارهما يقفان على أرضية صلبة قد لا تتوفر لأي لقاء بين جانبين في المنظومة الإسلامية، بل في الأسرة الدولية أجمع.

ونقف قليلاً عند مسألة صاحب السهم الأوفى في بناء الحضارة الإسلامية، أهم العرب أم الإيرانيون؟ إن هذا النقاش يدور عادة في دراسات الباحثين العرب والإيرانيين. لقد ذهب بعض القوميين الإيرانيين المتعصبين إلى أن ما أسموه "الغزو العربي"، قد أباد حضارة عالمية كبرى شيدها الإيرانيون منذ أن أقاموا إمبراطوريتهم، وقالوا: إن هؤلاء الإيرانيين عادوا فأشادوا حضارة إيرانية أخرى بعد ظهـور الإسـلام اتخذت اسم الحضارة الإسلامية أي إن هؤلاء القوميين الإيرانيين عزوا النشاط العلمي والثقافي الإسلامي لدى الإيرانيين على مر عصور التاريخ الإسلامي إلى أسباب قومية. ومن المؤسف أن بعض الباحثين العرب أيدوا هذا الاتجاه في فهم الدور الإيراني في الحضارة الإسلامية وأضفوا عليه طابعاً شعوبياً مؤكدين أن الروح الشعوبية هي التي دفعت الإيرانيين إلى هذه المساهمة الجادة في بناء صرح العلوم والثقافة الإسلامية، وذهب بعض الباحثين العرب والإيرانيين إلى تقليل أهمية دور الجانب الآخر في بناء الحضارة الإسلامية.

ونحن في مثل هذه المناقشات ذات المنطق القومي نطرح رأياً نزعم أنه رأي الإسلام والقرآن والتاريخ، ونقول: إن الفضل في بناء الحضارة الإسلامية يعود إلى الإسلام نفسه لا إلى أية قومية من القوميات... ذلك لأن الإسلام هو الذي أوجد التفاعل بين الإيرانيين والعرب، وهذا التفاعل أو "التعارف" بالتعبير القرآني هو الذي أدى إلى هذا النماء الحضاري والرشد الفكري والنضج الثقافي. لقد شاءت سنّة الله في الأرض أن يستمر النماء في خلقة البشر عن طريق التعارف بين الذكر والأنثى، كما شاءت أن يكون استمرار النمو الحضاري من تعارف الشعوب ذوي الانتماءات المختلفة.

والقرآن الكريم قرن تعارف الشعوب بالتعارف بين الذكر والأنثى في إشارة مهمة إلى أن استمرار النماء البشري رهين بهذين الاقترانين: )يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا... (.

ولئن قامت الحضارات العالمية، بل حتى الحضارة الإسلامية بعد هجرات بشرية، فلأن البناء الحضاري يتطلب اقتران شعوب مختلفة.

أردنا بهده الوقفة أن نقول: إن أي لقاء بين الإيرانيين والعرب سيعيد للجانبين الـدور في المسيرة الحضارية. وإذ شاهدنا عطاء هذا اللقاء من قبل في البصرة والكوفة وبغداد وخوارزم ونيشابور وأصفهان وهمذان والري وعشرات مراكز اللقاء الحضاري الأخرى، فنحن بفضل وسائل الارتباطات الحديثة نستطيع بإذن الله أن نجد خير هذا العطـاء يعم كل العالم الإسلامي من المحيط إلى المحيط لو تم اللقاء العربــي الإيـــراني فـــــــــي إطــــاره الرسالي المطلوب.

وعلى الرغم من واقع التجزئة الأليم بين العرب وإيران في العصر الحديث والحساسيات المفتعلة على الصعيدين القومي والطائفي بينهما، فإن خصوصية هذه العلاقة بقيت متواصلة، وإن إيران تحتل مكان الصدارة في تبني القضايا العربية، بل حتى في زمن الشاه الذي سعى لأسباب معروفة أن يخلق عزلـة بين إيران والعرب، كان الشـعب الإيراني يعيش هموم العرب وآمالهم وآلامهم.

حين بدأت طلائع الصحوة الإسلامية الحديثة في العالم العربي تجاوب معها الشعب الإيراني عبر مواقف كثيرة جسدها نواب صفوي وآية الله الكاشاني، وحين هب الشعب الإيراني بقيادة آية الله الكاشاني والدكتور مصدق لتأميم النفط تجاوب معه الشعب العربي أيما تجاوب. كما أن اتحاد الموقف الشعبي الإيراني العربي تجاه قضية فلسطين والتفاعل العربي مع الثورة الإسلامية الإيرانية هو مما لا يحتاج إلى بيان.

الأغرب من ذلك، أن عبد الناصر ذا التوجه القومي العربي كانت له مكانة كبيرة في ساحة الوعي الإسلامي الإيراني، وكان السجناء الإسلاميون يتابعون مواقفه وخطاباته بدقة عبر مذياع يصلهم خفية إلى السجن. وقال قائد كبير من قادة الثورة الإسلامية: لقد بكيت وأنا في زنزانة السجن الانفرادية عندما سمعت بنبأ وفاة عبد الناصر وسادني همّ كبير. وكانت سلوتي الوحيدة آنئذ ما بثته إذاعة صوت العرب من تلاوة مستمرة للقرآن الكريم. عندما سُئل عن السبب، أجاب: يهمنا عزة العرب، لأن عزة العرب لا تنفك عن عزة المسلمين، وكان عبد الناصر رمزاً لهذه العزة، وتلقينا وفاته وكأنها بداية لأفول تلك العزة.

بقي أن نقول في خصوصية العلاقة العربيـــة ـ الإيرانية في إطار العالم الإسلامي، إن كـلا الجانبين يمتلك رصيداً ضخماً في مد جسـور اللقاء مع سـائر أجزاء المنظومة الإسلامية، عبر الاشتراك اللغوي والثقافي والتاريخي والحوار والمؤسسات التعليمية ومراكـز البحث العلمي، إضافة إلى القنوات الرسمية التي تحكمها المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية.

هذه الخصوصيات تجعل العرب والإيرانيين أقدر على التحرك على ساحة العالم الإسلامي، كما تجعلهما مستهدفين أكثر من غيرهما في عملية الغزو الثقافي وتشويه الصورة أمام الرأي العام العالمي.

 

المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الشؤون الدولية