المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية

حديث التقريب على هامش دعوة شيخ الأزهر للحوار السني الشيعي

حديث التقريب على هامش دعوة شيخ الأزهر للحوار السني الشيعي

حديث التقريب
على هامش دعوة شيخ الأزهر
الحوار السني الشيعي
 
لا نريد أن نتحدث عن تاريخية الحوار السني الشيعي فهذا ملف شائك ومعقد، وإنما نريد أن ندرس هذه الظاهرة نقدياً.
من أول جوانب النقد على هذه الظاهرة أنها أحيطت بحساسية كبيرة، تدفع البعض إلى أن يتجنب الاقتراب من فتح ملفها ويثير الحوار حولها،  ومن يقترب منها يشعر بالحرج ويتعرض إلى سهام التجريح من البعض، ويبين هذه الحالة الدكتور «أحمد كمال أبو المجد» الذي كانت له مساهمة إيجابية في فتح موضوع الحوار السني والشيعي حيث يقول في مقدمة موضوع له حول «السنة والشيعة والحاجة إلى حوار جديد».. «لا أعرف أحداً من المعاصرين تعرض من قريب أو بعيد لقضية انقسام المسلمين إلى أهل سنة وشيعة، إلا أصابه من ذلك ما لا يحب، وتناوشته، في غضب وثورة، سهام الاتهام من هنا ومن هناك.
لا يشفع له عند أحد أنه كتب ما كتب أو قال ما قال ليرأب الصدع، ويؤلف القلوب، ويضيّق دائرة الخلاف.. ورغم ذلك فقد غالبت كل هواجس التردد، ومشاعر الإشفاق على النفس، ودواعي إيثار السلامة بالبعد عن مواطن الخلاف.. إيماناً بأن الحق أحق أن يقال وأن مصلحة القراء وهم الكثرة الغالبة أولى بالرعاية وأجدر بالاعتبار من مصلحة الكتاب والنقاد وهم القلة القليلة.. وإيماناً فوق ذلك بأن ما نعانيه اليوم من آثار هذا الانقسام الذي بدأ مبكراً في تاريخ الإسلام والمسلمين يرجع في جانب منه على الأقل إلى الجهل المتبادل بين الفريقين أكثر مما يرجع إلى التفاوت الحقيقي في الرأي حول مواطن الخلاف».
أيّ فكر وأي منهج هذا الذي يمنعنا من الحوار في قضية يتعلّق بها مصير الأمة ومستقبلها! إنه فكر الأزمة، ومنهج الأزمة الذي لا يمتلك القدرة على حل مشكلات الأمة، ولا على تضميد جراحها، ليس هذا فحسب، بل هو الفكر الذي يغذّي الخلاف في الأمة، ويدق إسفين النـزاع والانقسام.
يقابل ذلك الفكر المسؤول، فكر الوحدة والتقارب والتآلف الذي يغذّي في الأمة قيم التعاون والترابط والحوار.
فالمحاولات الإيجابية النصوحة والغيورة في فتح ملف الحوار السني الشيعي ما كانت غائبة على الإطلاق من الطرفين مع قلتها.
ومشروع هذا الحديث هو إحياء لكل المحاولات الإيجابية الإصلاحية في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية..
وأرقى درجات الحوار ما تحقق في تجربة «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية» بالقاهرة..
وأما مجلة «رسالة الإسلام» التي صدرت عن دار التقريب فقد كانت بحق أعظم نهضة للحوار الحر، العلمي الموضوعي المسؤول لقضية السنة والشيعة.. وهذه الفترة من تجربة الحوار الذي تمتد من (1948-1964م) تشكل مرحلة صعود وتقدم وازدهار الحوار السني ـ الشيعي.

وماذا بعد انقطاع الحوار؟
يمكن القول في غياب الحوار بين المذاهب، كادت المذاهب تتحول إلى أديان متباعدة بعد أن كانت مجرد صيغ تعكس الاجتهادات المختلفة بين أصحابها.
وحتى مع التراجع الذي حصل بتوقف فاعلية دار التقريب، فإنه لا خيار أمامنا غير الحوار إن كنّا نريد عافية الأمة وخيرها. وهذا يعني أن نحطم كل الحصون التي تمنعنا من الحوار، والأغلال التي تمنعنا من أن نقترب لبعضنا، وأن نتجاوز كل العقبات والصعوبات مهما كان نوعها وحجمها في سبيل الوصول إلى الحوار، والإصرار عليه...
أزمة الحوار لها بُعدان:
1ـ إننا لا نتحاور فيما بيننا.
2- أزمة المنهجية في الحوار.
المشكلة بين المسلمين فيما يتصل بالوحدة الإسلامية كما يقول العلامة الفقيد السيد محمد حسين فضل الله: «هي أنهم يتخاطبون عن بعد من خلال التاريخ الذي يكتبه هذا الفريق عن الآخر وبالعكس، ومن خلال الأحاديث التي يسمعها هذا الفريق عن الآخر وبالعكس، ومن خلال طبيعة الأوضاع المتشابكة التي يمكن أن تفرز حالة سلبية هنا من هذا الجانب وحالة سلبية هناك من ذاك الجانب، بفعل أعمال غير مسؤولة أو بفعل أوضاع معقدة على المستوى السياسي والاجتماعي، وربما كان هذا البعد هو المسؤول عن كثير من الحالات المتشنجة أو المعقدة التي يعيشها كل فريق إسلامي في مواجهة الفريق الآخر».
ومن مشكلات المنهجية في الحوار:
أولاً: أن يفكر كل طرف مسبقاً في الانتصار على الطرف الآخر، والنتيجة انهزام الطرفين، لأن كل طرف لن يرضى لنفسه بانتصار الطرف الآخر عليه.. بينما منطق القرآن الحكيم في الحوار: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾. استيعاب هذه الآية يساهم في إعادة تشكيل العقل المسلم حيث تجذبه للحوار وبمنهجية موضوعية متوازنة توحي للطرف الآخر بضرورة تقصّي الحق وقصد الحقيقة.
ثانياً: إننا نريد الحوار لكي يفهم بعضنا بعضاً، ويتعرف على وجهات نظر كل طرف وعن قرب، ومن خلال منهجية الحوار..
وفي هذا الصدد يقول الشيخ «محمد جواد مغنية» (1322-1400هـ/1902-1980) «إن في كتب الشيعة الإمامية اجتهادات لا يعرفها الخواص من علماء السنة، ولو اطلعوا عليها لقويت ثقتهم بالشيعة وتفكيرهم، وكذا الشأن بالقياس إلى كتب السنة وعلماء الشيعة، إن اطلاع كل فريق على ما عند الآخر من أقوى البواعث على تمهيد السبيل للتقريب بين الأخوة، من حيث يدرون أو لا يدرون».
ويعزّز هذه الحقيقة الشيخ «حبيب آل إبراهيم» صاحب كتاب «الحقائق في الجوامع والفوارق» بقوله: و«ما الطائفة الشيعية إلا كغيرها من الطوائف السنية، فكما يوجد اختلاف بين الحنفية والشافعية، وبين الشافعية والمالكية وهلم جرا، كذلك يوجد بين الشيعة وغيرها، بل لا يكاد يوجد مسألة للشيعة فيها حكم إلا ولهم من السنة فيها موافق».
ويثبت هذه الحقيقة من علماء السنة الشيخ «سليم البشري» (1248ــ1335هـ/1832-1916م) بقوله:
«لا يوجد في مسائل الفقه المروية  عن آل البيت، ما يخالف المسائل المروية في كتب جمهور أهل السنة».
ثالثاً: إن المنهجية التي نريدها في الحوار، هي منهجية: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾.
فالحوار هو اختيار أحسن الأقوال من أية مرجعية فكرية كانت بعيداً عن التعصبات والحساسيات المذهبية، بتحكيم العقل: ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾.
والوصول إلى أحسن الأقوال يتحقق بعد معرفة واستيعاب مختلف الآراء وتقليب النظر حولها وبتجرد علمي.. وهذه هي منهجية التفاهم والتقريب.
رابعاً: ليست مهمة الحوار إلغاء نقاط الاختلاف حتى نصل إلى نقاط الاتفاق، فهذه ليست منهجية علمية ولا تصل بنا إلى التفاهم والتقارب.. لأن إقصاء نقاط الاختلاف والخلاف ليس ممكناً، بل ليس مطلوباً أيضا.
فما نريده من الحوار أن نعرف أين نختلف وأين نتّفق، ونؤسس الاختلاف أو الخلاف على أسس علمية محكمة ونجردها من التعصبات، ونحررها من التزييف والتحريف السياسي والتاريخي والكلامي، ونؤسس الاتفاق على قاعدة علمية رصينة وثابتة.
وعن ذلك يقول الشيخ «محمد حسين آل كاشف الغطاء» «ليس المراد من التقريب بين المذاهب الإسلامية إزالة أصل الخلاف بينها، بل أقصى المراد وجل الغرض هو إزالة أن يكون هذا الخلاف سبباً للعداء والبغضاء، الغرض تبديل التباعد والتضارب بالإخاء والتقارب».
وعن هذه المنهجية يقول العلامة السيد «مرتضى العسكري» «لن يتحقق أي تقارب أو تفاهم بين المسلمين دون تدارس مسائل الخلاف والبحث عن منشئها ثم المبادر إلى علاجها».
خامساً: ضرورة أن يخرج الحوار من إشكاليات الماضي ورواسب الواقع إلى تجديد خطاب ثقافي للوحدة الإسلامية يتأسس على المعطيات الجديدة في الوضع الإسلامي، والتحولات العالمية الكبرى، وعلى قراءة جديدة وواعية للمستقبل وحساباته الشاملة.
فخطاب الوحدة الإسلامية ينبغي أن يتجدد ويصاغ بمعرفية جديدة، يشترك في تأسيسه وصياغته كل الفرقاء وعبر منهجية الحوار، وإلى هذا يسعى المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في نشاطاته وأدبياته كلّها. ومن هذا المنطلق تجاوب المجمع مع دعوة شيخ الأزهر الشريف وأعلن استعداده للمشاركة في إنجاح مشروع هذه الدعوة المباركة.
 
 
                                              المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
                                                               الشؤون الدولية