المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية

حديث التقريب..... سليماني.. الإنسان

حديث التقريب..... سليماني.. الإنسان

نتناول في هذا الحديث بعدًا واحدًا من الابعاد الكثيرة لهذا الحدث وهو الجانب الإنساني لسليماني الذي تجاوز الاطار الطائفي والديني والاقليمي فكان الشخصية الانسانية التي اتسعت لتضم تحت عباءتها المسلمين السنة والشيعة وهكذا المسيحيين والشبك في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا.

حديث التقريب
سليماني.. الإنسان
 
في أيام الذكرى الثانية لاستشهاد قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس وجمع من أصحابهما في مطار بغداد (3 كانون الثاني 2020) بأمر مباشر من الرئيس الأمريكي ترامب، تعود إلى الذاكرة أبعاد كثيرة لهذا الحدث يرجع بعضها إلى شخصية الشهيدين، ويعود بعضها إلى شخصية القاتل والدولة السفاكة القاتلة.

في هذا الحديث نتناول بعدًا واحدًا من الابعاد الكثيرة لهذا الحدث وهو الجانب الإنساني لسليماني الذي تجاوز الاطار الطائفي والديني والاقليمي فكان الشخصية الانسانية التي اتسعت لتضم تحت عباءتها المسلمين السنة والشيعة وهكذا المسيحيين والشبك في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا. من هنا فإن الاناشيد بمناسبة رأس السنة الميلادية في كنائس هذه البلدان كانت مقرونة غالباً باسم سليماني، بل حتى الرئيس الفينزولي مادورو يذكر سليماني في مقابلته مع شبكة الميادين وينوه بأياديه البيضاء على بلاده حين تعرضت عام 2019 لعدوان أمريكي تسبب في انقطاع الكهرباء عن هذا البلد.

هذه الروح الإنسانية تنطلق من تعاليم المدرسة الإسلامية التي حرّضت على قتال الظالمين والمستكبرين: " وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا، الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا".

ومن الواضح أن الوقوف بوجه الظلم والطغيان والعدوان يتطلب (الشجاعة).. يتطلب أن لا يخشى الإنسان أحدًا سوى الله سبحانه من هنا كانت الدعوة إلى التحلّي بالشجاعة من محاور دعوة القرآن: "  الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.... ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ".

والشجاعة اتصف بها قاسم سليماني في أسمى درجاتها منذ نعومة أظفاره، وفي الكتيب الذي صدر تحت عنوان: «لم أكن أخاف شيئًا» يتحدث بنفسه وبقلمه عن هذه الخصلة العظيمة في وجوده، غير أن هذه الخصلة حين تدخل في دائرة الإيمان الراسخ بالله، وفي إطار تعاليم الإسلام والمدرسة الإسلامية فإنها تصبح شجاعة لخدمة الإنسانية، أما إذا خرجت عن هذا الإطار فتصبح تهوّرًا كظهور الخوارج وداعش.

لقد سخّر سليماني شجاعته لخدمة الإنسان المستضعف أينما تعرض هذا الإنسان للظلم والعدوان بغض النظر عن دينه ومذهبه.

المدهش في هذه الشخصية أننا نراه في ساحات الوغى يدخل الخطوط الأمامية للقتال، ويواجه تحديات قوى الظلام بقوّة وبسالة.. ثم نراه حينًا آخر يسرع لإنقاذ الأطفال والنساء والشيوخ حين تعرضوا للسيول في خوزستان يصاحبه الشهيد أبو مهدي المهندس.ز ونراه يضم على صدره أبناء الشهداء ويواسي نساءهم وأمهاتهم بحرارة وكأن ذلك الشهيد هو أحد أفراد أسرته.

حقًا إ نه نموذج جيد من تلاميذ مدرسة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي جُمعت فيه الأضداد، حتى قيل عنه:

جُمعت في صفاتك الأضداد          فلهذا عزّت لك الأنداد
زاهد حاكم حليم شجــــــــــاع            ناسك فاتك فقير جوادُ

أبرز صفة في الشهيد سليماني هي (الشجاعة) هذه الصفة هي التي جعلته «انساناً» يدافع عن الإنسان في كل مكان لا تأخذه في ذلك لومة لائم.

وفي غياب هذه الشجاعة نرى الهزائم النفسية ونرى التطبيع وهرولة المطبعين.. إن وراء هذه الظواهر المؤلمة بأجمعها هو «الجبن» و«الخوف» وما أجمل ما نُقل عن مصطفى أمين قوله:

«عرفت جبناء يخافون من أشباحهم ويرتعدون رعبًا إذا رأوا فأرًا يجلس على كرسي، وتسيب مفاصلهم أمام غضب عمدة أو تهديد مأمور!
وعرفت شجعانًا تطول قامتهم أمام العواصف. يثبتون في مواجهة الأعاصير. يذهبون إلى الموت وكأنهم يذهبون إلى حفلة شاي!

وكنت ألاحظ دائما أن الجبان لا يؤمن إلا بنفسه. إلهه في داخله. يتعبد له ويصلّي له ولا يشرك به أبدًا. ولهذا فهو خائف على رزقه، وخائف على وظيفته، وخائف على حياته، خائف من كل شيء، لا يطمئن إلى شيء ولا يثق بشيء. ولهذا فهو يرى الجبن هو المخبأ الذي يتحصن فيه من أخطار الحياة!
ولم أر في حياتي جبانًا وصل إلى المقدمة. لابد أن يتعلق بذيل صاحب سلطة، أو صاحب جاه. وهو ليست لديه الشجاعة أن يتقدم خطوة، فهو إذا قدّم ساقًا أخّر ساقًا، ولهذا يبقى في مكانه طويلا، وإذا دفعته الأيام إلى الأمام عاش صغيرًا في المكان الكبير، ويتصرف كما يتصرف الصغار. يدس ولا يواجه.

يضرب من الخلف ولا يقاتل من أمام. يهمس ولا يرفع صوتًا. لأنه أجبن من أن يعلن رأيه. وهو في أغلب الأحيان لا رأي له، فهو يقبل على الشمس إذا أشرقت ويدير لها ظهره إذا غربت.

وخوفه يجعله يتضاءل . ويرى خصومه يكبرون ويتعاظمون. ولو كان شجاعًا لرأى الناس بأحجامهم الحقيقية. وهو له قامة تساوى قامة الناس، ولكن في داخله دودة الجبن التي تجعله يحس أنه دودة صغيرة، ولهذا يتضاءل ويصغر وينكمش.

والشجاع لا يخاف إلا الله. إذا حارب حارب في النور، وإذا آمن برأي أعلنه ولم يكتمه، وإذا اعتنق عقيدة قاتل من أجلها. والذين في قلوبهم الإيمان يشعرون بقوة هائلة، تقتحم الأهوال وتواجه الأعاصير وتحتمل المحن والخطوب. والإيمان يصنع من القزم عملاقًا، والجُبن يحوّل العملاق إلى قزم صغير! الإيمان يمنح الإنسان جيشًا يحارب معه, والجبن يجرد الإنسان من كل سلاح، فيستسلم قبل أن يدخل المعركة، ويرفع الراية البيضاء عندما تطلق الرصاصة الأولى».
ونكرر القول إن شجاعة الشهيد قاسم سليماني كانت مقرونة بالعقلانية والتدين والروح الانسانية. كانت مقرونة كما يقول المتنبي «بالرأي»:

الرأي قبل شجاعة الشجعان            هــــــو أول وهي المحل الثاني
فاذا هما اجتمعا لنفــــــــس مِرَّةٍ            بلغت من العلياء كل مكان

نسأل الله سبحانه أن يمنح حكام الأمة ومسؤوليها الشجاعة.. فهي التي تصيرّ منهم إنسانًا يتجاوز الاغلال الطائفية والعنصرية والإقليمية، ويدافع عن مصالح شعبه وأمته دون وجل أو خوف من الامريكان والصهاينة وسائر أعداء الأمة والمستكبرين.
 
 
                                              المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
                                                               الشؤون الدولية