بمناسبة الاحتفال بيوم سعدي الشيرازي في شهر ابريل (نيسان) 2/3
حديث التقريب.. سعدي الشيرازي شاعر الحب الانساني (2)

حديث التقريب .. رسالة سعدي إلى عالمنا المعاصر
الخالدون في التاريخ هم الذين يخاطبون فطرة الإنسان. وفطرة الإنسان ثابتة )لا تبديل لخلق الله(، وهي دائمًا تنشد الجمال والكمال. وشاعرنا سعدي كان جميلا عذبًا في أسلوبه ومعلّم الكمال في مضمونه.
موسيقاه في نثره وشعره لا تزال تحتلّ مركز الصدارة في الأدب الفارسي، بل في الأدب العالمي، حتى عند أصحاب الحداثة وما بعد الحداثة. لقد جاء بعده من نال شهرة واسعة في زمانه، لكنه مالبث أن اختفى من الساحة بعد زوال الظروف الخاصة التي أدّت إلى اشتهاره، أما سعدي فلا يزال من الخالدين، وهذا درسٌ لكل الأدباء والفنانين الذين يريدون أن يقدّموا العطاء الخالد لأمتهم.
في كتابه گلستان يشير إلى أن رسالته الأدبية تجاوزت – حتى في عصره – حدود المكان، وأصبحت أحاديثه متداولة على كل لسان، فذكره الجميل تناقلته الأفواه، وكلامه سرى في بسيط الأرض، وحديثه قصب الجيب الذي يرتشفه الناس كقصب السكر، ورقعة منشآته تتداولها الأيدي كورقة ذهبية.
ألا يذكّرنا هذا بالمتنبي الذي تجاوز حدود زمانه ومكانه، فكان ينشد قصائده في الشام ومصر والعراق، فتتناقلها الأفواه في إيران، ويتصدى لها وزير إيراني كبير مثل الصاحب بن عباد فينقدها في زمن حياة الشاعر؟!
ألا يذكّرنا سعدي والمتنبي وأمثالهما من العظام بما كان يسود في الأمة الإسلامية من وحدة حضارية وحركة حضارية مع كل الظروف الصعبة التي ألمّت بالعالم الإسلامي آنئذ؟!
سعدي من رموز وحدتنا الحضارية
بداية أذكر أن العالم الإسلامي ينتظره مستقبل عظيم على الساحة العالمية إن أحسنَ استعمال ما يمتلكه من مقوّمات حضارية. إن بريق التطوّر التقني في السلاح والارتباطات وفي سائر المجالات قد بهر وغطّى على عظمة وجود أمتنا الحضاري. لكنّ النور الذي سيبقى هو نور الحضارة، والحضارة الإسلامية لا ينافسها منافس على الساحة العالمية.
لا نذهب إلى ماذهب إليه هنتنغتون في صراع الحضارات، ولا نؤمن بما يقوله، ولا نعتقد أن مايجري في الساحة العالمية هو صراع بين حضارات، لأن المصارع القوي اليوم على الساحة العالمية لا يمتلك حضارة.. بل إنه ينطلق من عقدة نقصه الحضاري ليشيع في العالم الدمار، وليقضي باسم عولمة خاصة به على حضارات العالم، وإذا كان توجّهه الأول اليوم نحو العالم الإسلامي، فلأنه مهدُ الحضارات الإنسانية، ولأن المنظّرين الاستراتيجيين أوحوا له بأن الحضارة الإسلامية مؤهّلة لأن يكون لها الدور الريادي على الساحة العالمية.
والعودة إلى وحدتنا الحضارية ما عادت ضربًا من المستحيل كما كان بعضهم يوحي بذلك، لأن الوحدة الأوروبية أثبتت إمكان توحيد شعوبٍ نشبت بينها في القرن الماضي على الأقل حربان عالميتان، كما أن وحدتنا الحضارية ضرورة حتمية لبقائنا في عالم التكتلات. وكل مقومات الوحدة الأساسية قائمة بين ظهرانينا ونحتاج إلى تفعيلها.
أعود إلى سعدي الشيرازي لأقول إنه من رموز وحدتنا الحضارية. فهو إضافة إلى خطابه الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان استطاع أن يقدم النموذج الرائع للامتزاج الحضاري بين الإيرانيين والعرب.
هذا الامتزاج نشاهده فيما خلّفه لنا من تراث. مؤلفاته مزجت بين العربية والفارسية بحيث لا يمكن أن يطالعها أحد إلا أن يكون ملمًّا باللغتين معًا. ولم يكن ذلك مصادفة، بل تعمّد إلى ذلك ـ فيما أعتقد ـ ليثبت أن الامتزاج هذا يبلغ باللغة إلى ذروة الكمال.
كثرة التضمينات القرآنية وكثرة العبارات والأبيات العربية التي تتخلّل نثره وتـُلمّع شعره، والقصائد العربية التي تحتويها كلياته تثبت أنه أراد التوفيق بين اللغتين العربية والفارسية ليخرج بنصوص تجمع بين الاثنين في إطار جميل خلاّب بعيد عن أي تكلّف.
في كتابه «گلستان» على سبيل المثال ترى في الصفحة الأولى نثرًا مليئًا بالمفردات العربية: مِنّة.. عزّ وجلّ… طاعة.. موجب.. قرب.. شكر.. مزيد.. نعمة.. نـَفَس.. ممدّ.. حياة.. مفرّح.. ذات.. واجب.. تقصير.. عذر.. رحمة.. حساب.. ناموس.. فاحش.. وظيفة.. خطأ.. كريم.. خزانة.. غيب..وظيفة.. محروم.. نَظَر.. فرّاش.. فرش.. داية.. بنات.. نبات… خلعة.. قباء.. ورق.. أطفال.. قدوم.. موسم.. ربيع..و…
وترى آية هي قوله تعالى: )اعملوا آل داود شكرًا وقليل من عبادي الشكور(.. وهكذا تستمر الصفحات على هذا المنوال تتخللها أبيات بالعربية مشفوعة بأبيات في الفارسية.
والعربية في كليات سعدي نراها:
- في المفردات العربية الكثيرة في نثره.
- وفي أبياته العربية المتناثرة خلال نثره.
- وفي قصائده العربية التي أفرد لها المحققون قسمًا خاصًا.
تبدأ أولها بقوله:
الحمد لله رب العالميــن علـــى
مــا درّ من نعمة عزّ اسمه وعلا/وهي في ذكر الله ونِعَمه.
والثانية في رثاء بغداد والمعتصم بالله بعد هجوم المغول ومطلعها:
حبستُ بجفنيَّ المدامــــع لا تجــري/فلما طغى الماء استطال على السكر
وتزيد على تسعين بيتًا.
والثالثة في مدح نور الدين بن صياد ومطلعها:
مادام ينسرح الغزلان في الوادي/ احذر يفوتك صيد يا ابن صيّاد
عدد هذه القصائد العربية يربو على العشرين، وأكثرها في الغزل كما ذكرنا، ومن غزله العربي قوله:
يا نديمي قم تنبّه واسقني واسقِ الندامى/ اسقياني وهدير الرعد قد أبكى الغماما/ وشفا الأزهار تفترّ من الضحك ابتساما/ قل لمن عيّر أهل الحبّ بالجهل ولاما/ لا عرفت الحبّ هيهات ولا ذقــــــت الغرامـــــــا/ونرى العربية في ملمّعاته نظير قوله:
وقتها يكدم برآسودي تنم/ قال مولائي لطرفي لا تـَنَمْ/ اسقياني ودعاني أفتضحْ/ عشق ومستوري نياميزد بهم/
ما بمسكيني سلاح انداختيم/لا تحلّوا قتلَ من ألقى السّلَم/ قد ملكت القلب ملكًا دائمًا/ خواهي اكنون عـدل كن خواهي ستـم
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية