الصهاينة بعد (طوفان الأقصى): مجتمعٌ خائفٌ من العودة إلى مستعمراته

الصهاينة بعد (طوفان الأقصى): مجتمعٌ خائفٌ من العودة إلى مستعمراته

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً  للخبير في شؤون غرب آسيا الدكتور سلمان رضوي حول وضع المجتمع الصهيوني بعد عمليّة «طوفان الأقصى» واهتزازه على المستويين الاقتصادي والاجتماعي وخشية أفراده من العودة إلى مستعمراتهم لعدم شعورهم بالأمن وعدم ضمانهم ألّا تتكرّر هذه العمليّة من الشّمال أو قطاع غزّة.


نجحت حرکتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» للمرّة الأولى منذ نشأة الكيان الصهيوني قبل 75 عاماً في تنفيذ عمليّة نتج منها أسر ما بين 200 إسرائيليّاً إلى 250. كان بين الأسرى العسكريّين أساساً عددٌ من قادة الوحدات العسكريّة. في أواسط الحرب، جرت عمليّة تبادل مع تحرير ثلاثة أسرى فلسطينيّين مقابل كلّ أسير إسرائيلي. في الوقت الحالي، لا يزال العسكريّون والأفراد الأساسيّون لدى الكيان الصهيوني في أيدي الحركات الفلسطينيّة المناضلة خاصة «حماس» و«الجهاد»، والإسرائيليّون – نتنياهو على وجه الخصوص – جعلوا الأولويّة تحريرهم.

إنّ أبرز عامل ضغط على نتنياهو هو قضيّة تحرير الأسرى الإسرائيليّين، فعائلات الأسرى تمارس الضغط الحقيقي بالأساليب شتى على حكومة الكيان الصهيوني ونتنياهو، فهم يقيمون الاعتصامات وينصبون الخيام مقابل منزله كي يضاعفوا الضغوط عليه.

قبل «طوفان الأقصى» أطلق الإسرائيليّون مسيرات ضخمة اعتراضاً على لائحة التعديلات القضائيّة التي اقترحتها حكومة نتنياهو، وبعد الحرب أضيفت إليها اعتراضات عائلات الأسرى الإسرائيليّين أيضاً. بذل جيش الكيان الصهيوني حتى الآن جهوداً كبيرة من أجل تحرير أسراه، وقد قُتل في سبيل تحقيق هذا الهدف عددٌ من الأسرى أيضاً، لكن الآن، بعد انقضاء قرابة أربعة أشهر على الحرب، لم تستطع "تل أبيب" تحقيق أيّ نتيجة في هذا المجال.

إنّ تهجير الصهاينة الذين يسكنون في أطراف قطاع غزّة وكذلك مقابل المناطق الجنوبيّة لبنان قضيّة مهمّة ينبغي ألا نمرّ عليها مرور الكرام. النقطة الأولى في هذا الشأن أنّ قرابة مئتي ألف من سكّان هاتين المنطقتين – أطراف قطاع غزّة وشمالي فلسطين المحتلّة – مهجّرون منذ أكثر من ثلاثة أشهر أو أربعة، وهم يسكنون الآن في الفنادق وأماكن من هذا القبيل داخل المناطق المركزيّة لفلسطين المحتلّة مثل تل أبيب، وهذه القضيّة كبّدت أثماناً يُعتد بها من الناحية الاقتصاديّة لحكومة نتنياهو، ولا تزال في طور الازدياد والتضاعف.

النقطة الثانية هي تأثير هذه القضيّة في حكومة نتنياهو من الناحية السياسيّة. فمن بين اعتراضات الإسرائيليّين، كان اعتراضهم وتساؤلهم عن موعد الانتهاء لتهجير قرابة مئتي ألف شخص من المجتمع الصهيوني. هم يعتقدون أنّ نتنياهو أو حكومة الكيان الصهيوني عاجزون عن توفير الأمن لهم.

النقطة الثالثة أنّ بعض المهجّرين أعلنوا أنّهم لن يعودوا أبداً بعد انتهاء الحرب إلى شمالي فلسطين المحتلّة ونحو حزب الله في لبنان وأطراف قطاع غزّة أي نحو «حماس» و«الجهاد»، لأنّ من المتوقّع تنفيذ مثل هذه العمليّات مجدّداً وقد يهاجم حزب الله أو تنفّذ «حماس» عمليّة جديدة.

النقطة الأخيرة أنّ بعض هؤلاء المهجّرين قد يرومون الهجرة من فلسطين المحتلّة نحو بلدان أخرى، لأنّهم لمسوا انعدام الأمن أكثر من سائر المستعمرين، وذاقوا جدّياً طعم التهجير. تؤدّي مثل هذه الأوضاع إلى أن يقرّروا الابتعاد أبداً عن مناطق سكنهم السابقة وأن يذهبوا باتجاه المناطق المركزيّة في فلسطين المحتلّة، أو أن يهاجروا تماماً من فلسطين المحتلّة باتجاه أوروبا وأمريكا.

برزت هنا أيضاً اعتراضات داخل الأراضي المحتلّة على كون الحرب لم تحقق أيّ نتائج ملموسة لها. تعود هذه القضيّة إلى طبقات عدّة. الطبقة الأولى مجتمع الكيان الصهيوني. يشعر هذا المجتمع أنّ الحكومة ونتنياهو عاجزون عن توفير الأمن، بينما أعلن نتنياهو أوائل الحرب أنّ الجيش الإسرائيلي سيحتلّ قطاع غزّة بسرعة ويُنهي الحرب. رغم إعلان هذا الهدف، نجد أنّ الصهاينة الآن غارقون في منطقة بمساحة 365 كيلومتراً مربّعاً منذ أكثر من مئة يوم ولا يزالون يخوضون الاشتباكات. لذلك من غير المجدي استمرار الحرب.

النقطة الثانية أنّ الخسائر الناجمة عن هذه الحرب جعلت المستعمرين يعترضون. إضافة إلى هذا كلّه نجد الخسائر في قطاع السياحة خاصة أكبر من القطاعات الأخرى.

النقطة التالية هي المجتمع السياسي المعارض. يعتقد السياسيّون المعارضون للحزب الحاكم أنّ نتنياهو شخصٌ واحد وقائدٌ مهزوم وينبغي له التنحّي عن منصبه. يقولون إنّ نتنياهو لم يعد يملك الأهليّة لمواصلة مهماته رئيساً للوزراء في الحكومة، كما عجز بعد قرابة أربعة أشهر عن توفير الأمن، وهذا يعني تلقّيه الهزيمة.

وجّهت الحرب ضدّ غزّة أضراراً إلى الصهاينة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي أيضاً. النقطة الأولى هي الأضرار التي فُرضت على العائلات الإسرائليّة في أطراف المناطق الحربيّة، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأوّل العائلات الإسرائيليّة في أطراف قطاع غزّة، وقد هُجّر غالبهم في الوقت الحالي وابتعدوا عن تلك المناطق، والقسم الثاني داخل الضفّة الغربيّة، فقد قدّمت هذه المنطقة أيضاً أكثر من 300 شهيد خلال الحرب الأخيرة، وكان هناك عدد من القتلى الإسرائيليّين في مستعمرات الضفّة وكذلك شرقي القدس، وسقط هؤلاء القتلى نتيجة العمليّات التي نفّذها المناضلون الفلسطينيّون، والقسم الثالث يرتبط بفلسطين المحتلّة وجنوبي المناطق الحدوديّة اللبنانيّة. لقد تعرّض الصهاينة في هذه المناطق لهجمات القذائف المدفعيّة والرشقات الصاروخيّة والمسيّرات التّابعة لحزب الله في لبنان، وأدّى هذا إلى إفراغها من السكّان. بطبيعة الحال، ضاعفت هذه الأحداث أيضاً المخاوف والضغوط الاجتماعيّة والأمنيّة في الأراضي المحتلّة.

إلى جانب الأضرار المذكورة، برزت الأضرار الاقتصاديّة في الساحات شتّى. على سبيل المثال لا بدّ من الإشارة إلى استدعاء 300 ألف جنديّ من جنود الاحتياط في الكيان الصهيوني. استدعاهم نتنياهو للخدمة في الجيش. هذا العدد من الجنود لا يمكن الاستهانة به. إنّ استخدام هذا العدد من القوّات يعني أنّ تل أبيب فقدت جزءاً يُعتد به من قواها العاملة في ساحة الاقتصاد وأرسلتهم إلى ميدان الحرب. شكّل دفع الرواتب والتكاليف لهذا العدد عِبئاً مضاعفاً على الكيان الصهيوني وكبّده أثماناً كبيرة، فبات الآن يعمل على إعادة جزء من هؤلاء الجنود إلى أعمالهم.

من التداعيات الاقتصاديّة الأخرى إيقاف السياحة تقريباً في الأراضي المحتلّة، وكذلك تقليص مداخيل الشركات التي تضرّرت من هذه الحرب. تتوفّر إحصاءات متعدّدة في هذا المجال، وتترواح بين ثلاثين مليار دولار حتى ستين أو سبعين. يمكن النظر إلى رقم أربعين ملياراً على أنه العدد القريب من الواقع للخسائر التي لحقت بـ"إسرائيل".

لا يوجد أدنى شكّ في أنّ مجتمع الكيان الصهيوني بات مختلفاً بعد «طوفان الأقصى» عن الذي كان قبل العمليّة، وهناك أسباب عدّة لهذا. السبب الأوّل نشوء خوف دائم لدى الصهاينة من احتمال إعادة عمليات شبيهة بـ«طوفان الأقصى»، فهم لن ينسوا أبداً المشاهد التي عُرضت والصور والأفلام والمقاطع المصوّرة للهرب الجماعي للصهاينة من المناطق المحاذية لقطاع غزّة.

النقطة الأخرى عجز جيش الكيان الصهيوني أمام الفلسطينيّين في قطاع غزّة. تشير استطلاعات الرأي السابقة إلى أنّ جيش الكيان الصهيوني كان يحظى دائماً بشعبيّة كبيرة جدّاً مقارنة مع سائر المؤسسات الأخرى لهذا الكيان مثل الحكومة والبرلمان والرئاسة، لكن ما يظهر أنّ هذه الهيكليّة، أي الجيش، تضرّرت بسلبية كبيرة وأساسية في هذه الحرب ولن تعود النظرة لدى المجتمع الصهيوني سابقاً تجاه الجيش.

النقطة التالية أنّ جزءاً من المجتمع الإسرائيلي سوف يُصاب بالشكّ الحقيقي في كون هذا الكيان آمناً، في حين جاء جميع المهاجرين من أوروبا وأمريكا وسائر دول الشرق الأوسط أو أفريقيا إلى فلسطين المحتلّة بهدف الحصول على الأمن والرفاهية، واختاروا الأراضي المحتلّة وجهة لهم من أجل تحقيق هذه الغاية. بعد ما حدث، تزعزعت الرفاهية والأمن، ومثل هذا سيكون مؤثّراً حقيقة في الهجرة الجديدة للإسرائيليّين واليهود الجدد باتجاه فلسطين المحتلّة وفي تضاعف الهجرة المعكوسة.

في ما يرتبط بقضيّة ثقة المجتمع الصهيوني بالأحزاب اليمينيّة والمتشدّدة على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية، شهدنا مساراً تصاعديّاً، لأنّهم دائماً كانوا يطلقون الشعارات الباعثة على الشعور بالأمن والاستقرار، وعملوا على تعزيز هذا الأمن. بطبيعة الحال، كانت الأجواء الأمنيّة لمجتمع الكيان الصهيوني ومواصلة الفلسطينيّين الكفاح والمقاومة تؤدّي إلى تعاظم قوّة الأحزاب اليمينيّة والمتشدّدة. الآن ونظراً إلى أنّ تركيبة الحزب الحاكم الحالي مؤلّفة من هؤلاء السياسيّين اليمينيّين المتشدّدين أنفسهم بات من المحتمل أن يتلقّوا الهزيمة في الدورات الانتخابيّة المقبلة. إنّ مجتمع الكيان الصهيوني لن يثق بهم، أو سيثق بنسبة ضئيلة بعد «طوفان الأقصى». في النتيجة، سيستلم معارضوهم سدّة الحكم. كما يبدو أنّ هذه الأحزاب نفسها المتمحورة حول الأمن خاصّة اليمينيّين ستستلم الحكم على المدى البعيد.

إذا ما ألقينا نظرة إلى العقدين الأخيرين، فسنجد أنّه بعد خروج رئيس حزب «العمل» إيهود باراك من السلطة عام 2001، صار شارون رئيساً للوزراء بعدما كان رئيس «الليكود» الذي يُعدّ حزباً إسرائيليّاً يمينيّاً متشدّداً إلى حدّ معيّن. أمسك هذا الحزب بمقاليد الحكم حتى اليوم تقريباً. ورغم أنّ شارون أسّس «كاديما» اعتراضاً على انسحاب الإسرائيليّين الأحادي الجانب من غزّة، فإن هذا الحزب غاب عن الوعي مع غياب شارون عن الوعي ودخوله في «الكوما» وجرت إزالته من المشهد السياسي لإسرائيل. في الوقت الحالي لا أثر لهذا الحزب في الكنيست. وشارون نفسه رغم كونه رئيساً لـ«كاديما»، كان منحازاً إلى الفكر اليميني المتشدّد أكثر. بعد شارون استلم أولمرت زمام الحكم، وكان منحازاً إلى الفكر اليميني المتشدّد أيضاً. في 2009، استلم نتنياهو مقاليد السلطة ولا يزال يمسك بها منذ ذلك الوقت عدا عامين استلم فيهما نفتالي بنت ويائير لابيد الحكم. هذا يعني أنّ هذه المدة كلّها شهدت تولّي «الليكود» واليمينيّين شؤون الحكم.

يبرز هنا سؤال: ما الذي جعل التيار اليميني المتشدّد يمسك دائماً السلطة في الأراضي المحتلّة؟ السبب كون الأمن أولويّة لمجتمع الكيان الصهيوني. في النقطة المقابلة، يرى الفلسطينيّون أنّ المقاومة أفضل السُّبل لاستعادة حقوقهم المشروعة والطبيعيّة. في هذه الظروف، يتّجه الإسرائيليّون نحو الأحزاب التي تُطلق الشعارات الأمنيّة ضدّ الفلسطينيّين المناضلين والمقاومة. عليه، كانت هذه الأحزاب المتشدّدة واليمينيّة ممسكة زمام أمور السلطة على مدى العقدين الأخيرين رغم التحوّلات الإيجابيّة والسلبيّة كافة.

أثناء اندلاع الحروب في غزّة، كانت الأحزاب اليمينيّة والمتشدّدة مثل «الليكود» و«الصهيونية الدينية» و«شاس» و«يهدوت هتوراه» في سدّة الحكم. جرى تحميل الأحزاب المتشدّدة مسؤوليّة النتائج عن هذه الحرب والهزيمة التي مُنيَ بها الإسرائيليّون. عليه، إنّ مكانة هذه الأحزاب ستتّجه نحو الأفول في أيّ نوع من الانتخابات خلال الأشهر المقبلة.

رغم ذلك، لن يكون المشهد أن تجلس الأحزاب المؤيّدة لمسار «السلام» في سدّة الحكم. فوفق آخر استطلاعات الرأي، سيحصل «المعسكر الوطني» برئاسة بيني غانتس على أكبر عدد من الكراسي في انتخابات الكنيست. طبعاً يجب ألّا ننسى أنّ غانتس نفسه منحازٌ إلى «الليكود» في الأساس. وفق استطلاعات الرأي هذه، سيحتل «الليكود» بعد «الوطني» أكبر عدد من الكراسي. عليه، سوف تحصل الأحزاب التي تطلق شعارات أمنيّة على غالبية الآراء مرّة أخرى.

إنّ النقطة الجديرة بالاهتمام في استطلاعات الرأي أنّ «العمل» لم يحصل على الحدّ الأدنى من الكراسي أيضاً أي أربعة، وكان «ميرتس» الحائز الوحيد هذه الكراسي الأربعة. عامة قد لا يتمكّن «الليكود» من الإمساك بزمام أمور السلطة في دورة انتخابية أو اثنتين لكننا سنشهد في المستقبل استلام «الليكود» والأحزاب اليمينيّة وتلك التي تطلق شعارات أمنيّة وعسكريّة ضد الفلسطينيّين والمقاومة الإقليميّة مقاليد الحكم، كما أنّ حزب غانتس لا يختلف الآن كثيراً عن نتنياهو في ما يرتبط بالقضايا الإقليميّة والتعامل مع الفلسطينيّين. حزب غانتس أمني، وهو كان أحد أعضاء حكومة نتنياهو ويميل إلى «الليكود».

على هذا الأساس، سوف يقتصر الأمر على تبدّل الأسماء في أيّ تغيير وتحوّل في نظام القوى داخل الكيان الصهيوني، ومن سيستلمون السلطة في المستقبل سيطلقون شعارات أمنيّة ويلجؤون إلى خطوات قاسية وعنيفة ضدّ الفلسطينيّين من أجل توفير الأمن مقابلهم.