حديث التقريب ..
موقف الإيرانيين من القضية الفلسطينية | القسم الثاني
موقف الإيرانيين من القضية الفلسطينية - 2
الخليفات التارخية والحضارية
- انصهار الذات القومية الإيرانية في الرسالة الإسلامية جعل الإيرانيين ينظرون إلى قضايا كل المجموعة الحضارية الإسلامية بأنها قضيتهم، وكلما ازداد هذا الانصهار، إزداد ارتباط الإيرانيين بقضايا الأمة وعلى رأسها اليوم القضية الفلسطينية، ولذلك شكل الانتصار الإسلامي في إيران بقيادة الإمام الخميني تحريكًا هائلاً للشارع الإيراني نحو قضية فلسطين. والإعلام العربي يثير أحيانًا الحزازات القومية بين الإيرانيين والعرب، مما يشكل خطرًا على الانتماء الحضاري لإيران. واحيانًا يهزأ بالاتجاه الديني الملتزم في إيران مُطْلِقًا عليه اسم «حكومة الملالي» غافلاً أن علماء الدين في إيران يمثلون رمز النضال في إيران من أجل بقاء الانتماء الحضاري والبقاء إلى جانب القضايا العربية.
- المحتوى الفكري والعاطفي الذي يشكل خطاب الشارع الإيراني تجاه قضية فلسطين هومزيج من إيمان بالثوابت ومن تجارب عملية تاريخية ومنها المقدسات ـ والمظلومية ـ وحتمية انتصار المستضعفين ـ وعالمية الخطر الصهيوني الأمريكي.
حتمية انتصار المستضعفين- هذه سنة قررها القرآن الكريم، لكنها في الوجدان الشعبي الإيراني عميقة الجذور، ترتبط بما واجهه على مرّ التاريخ من مرارة لم ينهزم أمامها لإيمانه بأن «بايان شب سيه سفيدي است» = نهاية الليل القاتم الصباح الأبلج. وهذا الإيمان المتجذّر التقى مع فكرة المهدي المنتظر عليه السلام، فأصبحت قضية المهدي تعيش جنبًا إلى جنب مع قضية كربلاء في وجدان الإنسان الإيراني.
- مرّت على الإيرانيين طوال التاريخ ظروف ترغم كل شعب على اليأس والقنوط والاستسلام، لكنه التفّ على هذه الظروف وحوّلها لصالحه. وفي العصر الحديث مرّ بتجارب كثيرة رسخت هذا الإيمان في أعماقه. من ذلك الانتصار الإسلامي الذي تحقق في أرض الهيمنة الإمريكية والصهيونية، ومن ذلك نجاح المقاومة في صدّ حرب عالمية ضد إيران استمرت ثماني سنوات. ومن ذلك نجاح التصدي للمقاطعة الاقتصادية والإرهاب والمحاصرة السياسية.
- من هنا لا يمكن أن تسود في الشارع الإيراني يومًا فكرة انتهاء القضية الفلسطينية حتى في أحلك ظروف استسلام القيادات أو البطش الصهيوني، بل يرى أن نهاية النصر قد اقتربت كلما ادلهمت الخطوب وتفاقمت الأوضاع.
- وعبارة: )وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا( (الاسراء:81) تحتل مساحة واسعة في الأدبيات والإعلام والشعار وفي رسوم الأطفال، معبرةً عن حتمية انتصار الحق على الباطل. ومن المسلمات التي لا ترديد فيها أن الشعب الفلسطيني قد حرم من حقّه في أرضه وفي عودته ومن سائر حقوقه بوطنه. ولا يمكن أن يفرض الواقع نفسه مهما طال الزمن في تغييب فكرة «الحق» لدى الإنسان الإيراني، فالحق مقدس عنده، الحق هو الله في الأدب الفارسي وفي الخطاب اليومي الإيراني، والحق ارتبط بشخصية علي في مواجهة الباطل، لذلك فإن عبارة «حق با علي» = الحق مع علي، من التعبير الشائع في الشارع الإيراني، وقد يكون مستلهمًا من الحديث الشريف: «علي مع الحق والحق مع علي».
- فالحق مقدّس والمدافعون عن الحق منتصرون لا محالة، مهما قلّ الناصر، وعبارة: «الدم منتصر على السيف» = «خون بر شمشير بيروز است» جاءت من الإمام لتنسجم مع نبض الشارع الإيراني، فتحولت إلى شعار للثورة، ثم إلى شعار للقضية الفلسطينية. ثم إن ثورة الحجارة تندرج في سياق القدرة الفائقة للحجر على ردّ كيد المعتدين، وعلى مفعولـه المعجز في الانتصار على الدبابة كما يُرى في رسوم الإيرانيين ومسرحياتهم عن الانتفاضة.
- والفجر الذي يظهر في كثير من الأعمال الفنية الإيرانية بشأن فلسطين، والحصان الأبيض الذي يُرى في بعضها الآخر يدلّ على الأمل في المستقبل وحتمية انتصار الحقّ في النهاية.
عالمية الخطر الصهيوني الأمريكي- النظرة الشعبية لإسرائيل أنها جزء من ظاهرة عالمية تريد أن تسيطر على مقدرات العالم، وهذه النظرة تنطلق من معاناة الإيرانيين من الصهيونية في زمن الشاه، وسيطرة الصهاينة وأمريكا على مقدّرات إيران. من هنا فإن الخلاف مع الصهاينة ليس على هذا الجزء أو ذاك الجزء من أرض فلسطين ولا أيضًا على أرض فلسطين بأجمعها، بل الخلاف على المخطط الصهيوني للاستعلاء على كل العالم وجرّ البشرية إلى حالة من الانحدار بحيث يمكن السيطرة عليها.
- ولهذا فإن الشارع الإيراني رفض كلّ ما يسمى بمحادثات السلام جملة وتفصيلاً، وخطابه هو الخطاب الوحيد الذي يعلن أن حلّ مسألة فلسطين يكمن فقط بتحريرها من براثن الصهيونية.
- ولذلك لا تجد الفئة التي تعتقد بانفصال القضية الفلسطينية عن المصالح الوطنية الإيرانية، أو التي تدعو إلى موقف إيراني يبعد عن إيران خطر هجوم إسرائيلي صدى في الشارع الإيراني، بسبب هذا الفهم لطبيعة الصهيونية.
- والملفت للنظر في موقف الشارع الإيراني من أمريكا أنه ينفرد في المجموعة الإسلامية بعدم انجراف فئاته الإسلامية منذ الخمسينيات مع المشروع الأمريكي الذي استهدف تعبئة المشاعر الدينية لمواجهة الخطر الشيوعي. كل الفصائل الإسلامية في إيران كانت ترفض ما يسمى بالإسلام الأمريكي الذي لا يقبل إلاّ إسلامًا يكافح الشيوعية دون أن يصطدم بالأطماع الأمريكية والغربية. النظرة لأمريكا أنها وراء تثبيت نظام الشاه ووراء الغزو الصهيوني للمنطقة، ووراءمحاولة إغراق الشباب في المفاسد والموبقات، من هنا كانت المجابهة الشعبية تتجه إلى مثلث أمريكا ـ الصهيونية ـ الشاه.
- ولقد شهدت الساحة فيما بعد أحداث انقلاب أمريكا على حلفائها القدماء من التيارات الإسلامية بعد أن استنفدت أغراضها منهم، ثم شهدت الوقوف الأمريكي الصارخ في دعم إسرائيل حتى في أشد ظروف بطشها وإرهابها.
- عبارة«الشيطان الأكبر» أدخلها الإمام الخميني (رض) في أدبيات الثورة الإسلامية وإعلامها حتى أصبحت الكلمة مرادفة لأمريكا على الصعيد العالمي أيضًا.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية