حديث التقريب .. خطبة جمعة النصر التاريخية

حديث التقريب .. خطبة جمعة النصر التاريخية

خطبة جمعة النصر التاريخية

تكريما لسيد المقاومة الشهيد الكبير سيد حسن نصر الله دعا السيد القائد الخامنئي إلى إقامة صلاة الجمعة في طهران تحت عنوان جمعة النصر بحضوره شخصيًا وياماته، وكان لهذا الدعوة أثرها الكبير في تدفق الملايين الى الصلاة من طهران وخارج طهران، وكأنهم أرادوا أن يشاركوا السيد القائد في مصابه بأخيه الشهيد نصر الله وفي تحدّي الارهاب والتهديد الذي يردده العدوّ الصهيوني ومن لفّ لفّه.

ظاهرة تاريخية لشجاعةِ قائدٍ لا تُرهبه عربدة الاعداء، بل تزيده عزمًا وتصميمًا، وهو الدرس الكبير الذي تحتاجه أمتنا في هذه الظروف الصعبة.

لقد بدأت الخطبة التاريخية بالدعوة إلى الوحدة باعتبارها مفتاح نزول رحمة الله على الأمة مستشهدًا بالآية الكريمة:

﴿والـمُؤمِنونَ والمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَولِیاءُ بَعضٍ یَأمُرونَ بِالـمَعروفِ ویَنهَونَ عَنِ الـمُنکَرِ ویُقیمونَ الصَّلوةَ ویُؤتونَ الزَّکوةَ ویُطیعونَ اللهَ ورَسولَهُ أُولئِكَ سَیَرحَمُهُمُ اللهُ إنَّ اللهَ عَزیزٌ حَکیمٌ﴾، ومؤكدًا أن هذه الآية تبيّن أنّ الرحمة الإلهيّة هي ثمرة هذه الولاية وهذا الائتلاف؛ «أُولئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ»؛ أي إنّكم أيّها المسلمون إن تولّيتم بعضكم بعضًا، وتعاونتم وتآزرتم فيما بينكم، شملتكم رحمة الله [تعالى]. ثمّ يقول: "إِنَّ اللهَ عَزیزٌ حَکیمٌ"؛ حيث يختم الآية بذكر عزّة الله وحكمته؛ ربما لأنّ الرحمة الإلهيّة هنا تتناسب مع عزّته وحكمته. فالرحمة الإلهيّة تشمل جميع الفضائل التي يُنعم بها الله على عباده؛ كلّ النعم، وكلّ الألطاف، وكلّ أحداث الحياة هي رحمة من الله؛ ولكنّ الرحمة في هذه الآية الكريمة، تتناسب مع "العزّة" و"الحكمة"، العزّة الإلهيّة تعني أنّ القدرة الإلهيّة تحكم الوجود بأسره، والحكمة الإلهيّة تعني قوّة وثبات جميع قوانين الخليقة؛ ربما تريد هذه الآية أن تنبّهنا إلى أن العزّة والحكمة الإلهيّة ستكون من وراء المسلمين إن هم اتّحدوا وتوحّدوا.

فما المراد بهذه الولاية؟ هذه الولاية تعني ترابط المسلمين وتعاضدهم؛ وتلك سياسة قرآنيّة للمسلمين، فسياسة القرآن تدعو المسلمين إلى اتحاد شعوبهم وجماعاتهم، وكأنّ الآية تعدهم إن هم اتّحدوا فيما بينهم؛ أن تكون العزّة الإلهيّة حليفهم، أي إنّكم ستتغلّبون على جميع العقبات، وستنتصرون على جميع الأعداء؛ أن تكون الحكمة الإلهيّة من خلفكم يعني أنّ جميع قوانين الخليقة ستسهم في تقدّمكم، هذا هو منطق القرآن، وسياسة القرآن.

تُقابل هذه السياسةَ سياسةُ أعداء الإسلام، أي المستكبرين والطغاة في العالم، إنّ سياسة هؤلاء هي «فَرّقْ تَسُدْ»، فعملهم قائم على بثّ الفرقة، وقد مارسوا سياسة بثّ الفرقة هذه بمختلف أساليب الخداع والمكر، ولا يزالون مستمرّين في ذلك، الأمر الذي يؤدّي إلى نشر الكراهية بين المسلمين، لكنّ الشعوب اليوم استيقظت. اليوم هو اليوم الذي تستطيع فيه الأمّة الإسلاميّة أن تتغلّب على مكر أعداء الإسلام والمسلمين وخداعهم.

ثم أكد السيد القائد في خطبته على وحدة ساحات العالم الإسلامي و وحدة المسير والمصير قائلاً:

أقول لكم: إنّ عدوّ الشعب الإيرانيّ هو نفسه عدوّ الشعب الفلسطينيّ، وهو نفسه عدوّ الشعب اللبنانيّ، وهو نفسه عدوّ الشعب العراقيّ، وهو نفسه عدوّ الشعب المصريّ، وهو عدوّ الشعب السوريّ، وعدوّ الشعب اليمنيّ؛ العدوّ واحد، لكنّ أساليبه تختلف من بلد لآخر. يستخدم الحرب النفسيّة في مكان، والضغوط الاقتصاديّة في مكان، والقنابل التي تزن طُنّين في مكان، يستخدم السلاح في مكان، والابتسامة في مكان. أعداؤنا يتّبعون هذه السياسة، ولكنّ غرفة القيادة واحدة، والأوامر تصدر من مكان واحد، والهجمات ضدّ الجماعات والشعوب الإسلاميّة تأتي من نفس المكان. وإذا ما نجحت هذه السياسة في بلد ما، أي إنّها آلت إلى التسلّط على ذلك البلد، ولم يعد ذلك البلد يشغل بالَهم؛ توجّهوا إلى بلد آخر. لا ينبغي للشعوب أن ترضى بذلك.

بعدها وجَه خطابه باللغة العربية إلى الشعبين اللبناني والفلسطيني مبينا وحدة المشاعر في فقد القائد نصرالله وموضحًا أن هذا المصاب هو من نوع رسالي خاص وقال:

لقد غادرَنا السيّد حسن نصرالله بجسده، لكنَّ شخصيّتَهُ الحقيقيّةَ؛ رُوحَهُ، ونَهجَهُ، وصوتَهُ الصّادحَ، سَتبقى حاضرةً فينا أبدًا. لقد كان الرايةَ الرفيعةَ للمقاومةَ في وجه الشياطين الجائرينَ والناهبين، وكان اللسانَ البليغَ للمظلومينَ والمدافعَ الشّجاعَ عنهم، كما كانَ للمناضلينَ على طريقِ الحقّ سندًا ومشجّعًا، لقَد تخطّى نطاقُ شعبيّته وتأثيرُهُ حدودَ لبنانَ وإيرانَ والبلدانَ العربيّة، وستُعزّزُ شهادَتُه الآن مدى هذا التأثير.

إنّ أهمّ رسائلِهِ قولًا وعملًا، في حياتِهِ الدنيويّة، لكم يا شعبَ لبنانَ الوفيّ، كانت ألّا يساورَكُم يأسٌ واضطرابٌ بغيابِ شخصيّاتٍ بارزَةٍ مثلِ الإمام موسى الصدر والسيّد عبّاس الموسوي، وألّا يصيبَكُم ترديدٌ في مسيرةِ نضالِكُم. ضاعِفوا مَساعيَكُم وقُدُراتِكُم، وعزّزوا تَلاحُمَكُم، وقاوموا العدوَّ المُعتَدي وأفشِلوهُ بتَرسيخِ إيمانِكُم وتوكّلِكُم. 

وأوضح سماحته أن العدوّ يخال أنه حقق نصرًا بممارسة القتل والتدمير والواقع أن عمله الاجرامي هذا قد أدى إلى تصاعد الغضب وازدياد دوافع المقاومة لدى من أراد إبادتهم وقال:

العدوّ الخبيثُ الجبانُ، إذ عجزَ عن توجيه ضربة مؤثّرة للبنية المتماسكة لحزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي وغيرها من الحركات المجاهدة في سبيل الله، عَمَدَ إلى التظاهر بالنّصرِ من خلال الاغتيالات والتدمير والقصف وقتل المدنيّينَ وحرق قلوبهم.

لكن ما هي النتيجة؟ ما نجمَ عن هذا السلوك هو تراكمُ الغضب وتصاعدُ دوافعِ المقاومةِ، وظهورُ المزيدِ من الرجالِ والقادةِ والمضحّين، وتضييقُ الخناق على الذئب الدّموي، وبالتالي، إزالةُ الكيان الملطّخ بالعارِ من ساحةِ الوجود، إن شاء الله.

أيّها الأعزّة، القلوبُ المفجوعةُ تستلهمُ السكينةَ بذكر الله وطلب النّصرة منه. الدّمارُ سيُعوَّض، وصَبرُكم وثباتُكم سيُثمر عزّةً وكرامةً.

ثم بيّن سماحته طبيعة الواقع الذي يعيشه الكيان الصهيوني اليوم وقال:

هذا الكيانُ الخبيث، بلا جذور، ومزيّفٌ ومتزعزع، وقد أبقى نفسه قائمًا بصعوبةٍ عبرَ ضخّ أمريكا الدعم له، ولن يُكتبَ له البقاءُ بإذن الله تعالى. والدليلُ الواضحُ على ذلكَ أنّه أنفق مليارات الدولارات في غزّةَ ولبنانَ منذُ عام، وأُغدِقَت عليهِ المساعداتُ المختلفةُ من أمريكا وعددٍ من الدولِ الغربية، وقد مُنيَ بالهزيمة في مواجهة بِضعة آلاف من المكافحينَ والمجاهدين في سبيل الله المحاصرينَ الممنوعينَ من أيّ مساعدةٍ خارجيّة، وكانَ إنجازَهُمُ الوحيدُ قصفَ البيوتِ والمدارسِ والمستشفياتِ ومراكزَ تجمّعِ المدنيّين.

واليوم فإنّ العِصابَةَ الصهيونيّة المجرمة أنفُسَهُم قد توصّلوا أيضًا إلى هذه النتيجةِ وهي أنّهم لن يحقّقوا النّصرَ أبدًا على حماس وحزب الله.

ثم بيّن عظمة طوفان الأقصى وما حققه من نتيجة تاريخية وقال:

لقد أوصلَ طوفانُ الأقصى وعامٌ من المقاومةِ في غزّةَ ولُبنان، هذا الكيانَ الغاصِبَ إلى أن يكونَ هاجسَهُ الأهمَّ حفظ وُجودِه، وهو الهاجسُ نفسُهُ الذي كانَ يُسَاورُ هذا الكيانَ في السنوات الأولى لوِلادَته المَشؤومة، وهذا يعني أنّ جهادَ رجالِ فلسطين ولبنان قَد أعاد الكيانَ الصهيونيَّ سَبعينَ سنةً إلى الوراء. 

وأشار سماحته إلى سبب ما تعانيه المنطقة الإسلامية من حروب وما يواجهها من معوقات في التنمية وإحلال السلام في ربوعها وقال:

العاملُ الأساسيُّ للحروبِ وانعدامِ الأمن والتخلّفِ في هذهِ المَنطِقَةِ هوَ وجودُ الكيانِ الصَّهيونيِّ وَحُضورُ الدُّولِ التي تدّعي أنها تَسعى إلى إحلالِ الأمنِ والسّلامِ في المَنطِقَة. فالمشكلةُ الأساسُ في المنطقة هيَ تَدَخل الأجانبِ فيها. دولُ المَنطقة قادِرةٌ على إحلالِ الأمنِ والسلامِ فيها. وتحقيقُ هذا الهدف العظيم والمُنقذ للشّعوب يَستَلزِمُ بَذلَ جُهود شُعوبِها وحُكوماتِها. 

هذه الخطبة التاريخية تضع أمتنا أمام مسؤولية كبيرة هي ضرورة السعي لفهم واقعها ومصير ببصيرة، وأن شعوبها شاؤوا أم أبوا أمام تحديات واحدة ومصير واحد وأمانة واحدة، وهم مدعوون لحملها، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير﴾.

 

                                             المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

                                                               الشؤون الدولية