في ذكري 18 لاستشهاد رائد من رواد التقريب الشهيد الحكيم (رحمة الله)
الفكر الوحدوی و التقريبي عند الشهيد اية الله السيد باقر الحكيم (رض)
ليس المراد بالوحدة أو التوحد في مفهوم السيد الشهيد الحكيم (قدس سره) أن يتحول الشيعي إلى سنّي، أو يتحول السني إلى شيعي، ليس المقصود من الوحدة هذا المعنى، فالشيعي يبقى على تشيعه وولائه لأهل البيت (عليهم السلام) وإلتزامه بمذهبه، وهكذا السني يبقى على حاله. وإنما المراد من الوحدة أمران:
الأول: أن لا يتحارب المسلمون فيما بينهم؛ لأن الحرب والمواجهة لابد أن تكون ضد الطغاة والجبابرة والمجرمين، فقد يظلمك أخوك أو جارك ظلما أجتماعياً لا شخصياً، بمعنى أنه من خلال الحكم والقوة يهيمن شخص على المجتمع، ويجعل بقية الناس مستضعفين وأذلاء ومساكين، وهذا هو المقصود من الظلم.
والثاني: أن يكون الموقف السياسي تجاه قضايا المسلمين ومصالحهم موقفاً واحداً.
ففي قضية فلسطين يجب أن يكون المسلمون يداً واحدة وجماعة واحدة في مقابل إسرائيل. وهكذا في كل قضايا المسلمين في العراق، وفي أفغانستان وفي لبنان ، وفي كل مناطق العالم الإسلامي، ففي كل القضايا التي تطرح لابد أن يكون المسلمون يدا واحدة في مواجهة أعدائهم، وأن لا يعادي بعضهم الآخر، ولا يضر به، ولا يعتدي عليه.
السيد شهيد الحكيم (رحمه الله) في طرحه لموضوع الوحدة الإسلامية تبنى نظرية أهل البيت (عليهم السلام) التي تعد تجسيدا واقعيا ومنطقيا للنظرية الإسلامية في الوحدة الاجتماعية، التي تؤكد أن يد الله مع الجماعة، وأن الشاذ من الناس للشيطان، وأن الشاذ من الشاة للذئب، وأن المسلمين يجب أن يتعايش بعضهم مع بعض.
لأن المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يخونه، وأن المسلم كفؤ المسلم فلابد له أن يحترمه، لذلك نجد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) قد تنازلت عن الكثير من القضايا الخاصة في سبيل حفظ وحدة المسلمين والدفاع عن العقيدة الإسلامية والمجتمع الإسلامي.
لقد أعتمد السيد شهيد الحكيم (قدس سره) في طرحه لمضمون الوحدة الإسلامية على جملة من أسس ومعالم نظرية أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها: الإيمان بوجود هامش للإختلاف والتعدد بين المسلمين، يمكن أن يستوعب الإختلاف في الفهم والإجتهاد والمواقف مع قطع النظر عن مدى صحة هذه الإجتهادات والمواقف، ومدى إنسجامها مع الحق والصواب، ذلك أن المجتمع الإسلامي الواسع إذا أريد له النمو والتطور والقدرة على الإستيعاب والشمول والتعايش بين جماعاته وأقوامه، فلابد من وجود هذا الهامش الذي قد يتسع أو يضيق بحسب الظروف والأوضاع التي يعيشها المجتمع الإسلامي.
وكان السيد اية الله الحكيم (قدس سره) ينظر إلى هذا الهامش كونه صيانة ووقاية للوحدة الإسلامية ودرعا يجنبها الأزمات والأختلافات، ويحفظها من تحول هذه الأختلافات الطبيعية ـ بسبب الضغوط ـ إلى متفجرات تنسف الوحدة أو تمزقها أو تشوه صورتها .
لقد وجد شهيد اية الله الحكيم (رحمة الله) الإنفتاح على الآخر من خلال المرونة في التعامل يمثل امتيازا في النظرية أهل البيت (عليهم السلام) لذلك نجده قد بنى موقفه في الوحدة الإسلامية على ذلك؛ لأنه وجد النظريات الأخرى في التاريخ تختلف عن نظرية أهل البيت (عليهم السلام)، إتسمت تلك النظريات بالعنف والجور لفرض الرأي الواحد على الأمة، بحيث تتحول الوحدة مفهوما إلى وحدة مفروضة من الخارج على الأمة بالقوة والعنف.
وقد بيّن السيد شهيد المحراب (قدس سره) حدود هامش التحرك في نظرية أهل البيت (عليهم السلام) من اجل أن لا يبقى مفتوحا من دون حدود، وإلاّ لتحول المجتمع الإسلامي إلى النزاع والصراع، والإتجاه إلى النظرية التي تؤمن بالفرقة والتمييز بين جماعات المسلمين.
إن تحقيق الوحدة الإسلامية إذا أريد لها ذلك في منظور السيد الشهيد (قدس سره) لابد أن تتحقق مجموعة عناصر تتحد مع بعضها،وقد وردت تلك العناصر في القرآن الكريم، وهي عناصر أساسية ورئيسية يمكن من خلالها تحقيق الوحدة،ومنها :
1 - الأعتصام بحبل الله، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ). وهو يمثل الطريق الذي ينتهي بنا إلى وحدة الصف والكلمة، وعلى جميع المسلمين الاعتصام بحبل الله، ولا سيما المؤمنون والموالون لأهل البيت (عليهم السلام) «إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي» (أمالي الصدوق المجلس الرابع والستون ح 15).
فالثقل الأول: هو القرآن، والثقل الثاني: هو العترة. وهذا الحديث متواتر بين المسلمين جميعا. فحبل الله هو القرآن الكريم والرسول الأعظم، والأئمة الأطهار من بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإمتداداً لذلك المراجع العظام الذين أرجعنا أهل البيت (عليهم السلام) إليهم. فهؤلاء المراجع مرجعيتهم وحبلهم باعتبار إتصالهم بأهل البيت (عليهم السلام). وأما العناصر الأخرى فهي مستوحاة من الآية المتقدمة.
2 - : إقامة شعائر الله (وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ).
والقرآن دائما حينما يتحدث عن الشعائر والواجبات الإسلامية يذكر عنوانين:
أحدهما: الصلاة، والآخر: الزكاة، فإن كل واحد من هذين العنوانين يشير إلى كل الواجبات الإسلامية.
3 -: طاعة الله ورسوله، (وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ). فإن طاعة الله ورسوله تمثل طريقا لهذه الوحدة (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) .
والوحدة عند السيد شهيد المحراب (قدس سره) تمثل القوة الحقيقية التي يمكن أن نواجه بها جميع المشكلات والتحديات التي تواجهنا، ويد الله سبحانه وتعالى مع الجماعة، فلابد أن نحافظ عليها إذا أردنا أن نحافظ على قوتنا، ونحل قضايانا ومشاكلنا .
و أسس الوحدة في المجتمع الإسلامي عند السيد شهيد الحكيم (قدس سره) ظاهرة الوحدة والاختلاف في التأريخ الإنساني، وتفسير القرآن الكريم لهاتين الظاهرتين وأسبابهما وكيفية معالجتهما إنسانياً، أخذ في دراسة الوحدة الإسلامية والاختلاف في المجتمع الإسلامي في ظل العقيدة الإلهية.
وقد حدد ثلاثة أبعاد أساسية لموضوع الوحدة في المجتمع الإسلامي:
الأول: الأسس التي وضعها القرآن الكريم لوحدة المجتمع الإسلامي، بحيث تقوم هذه الوحدة وتثبت إذا توافرت هذه القواعد والأركان الأساسية لها.
الثاني: الوسائل التي أستخدمها القرآن الكريم، ووضعها أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبني الإنسان، التي تضمن بقاء هذا البنيان الإلهي وأستمراره والمحافظة عليه وصيانته وتحقيقه.
الثالث: النتائج والآثار التي تترتب على قيام الوحدة وتحققها في المجتمع الإسلامي. وقد ضمّ البعد الأول أسس الوحدة الإسلامية، ومن خلال مراجعة السيد الشهيد الحكيم(رحمه الله) للقرآن الكريم ظهرت له مجموعة من الأسس والمنطلقات الرئيسة للوحدة في المجتمع الإسلامي، ومنها:
الأساس الأول: عقيدة التوحيد
وهي أهم الأسس التي تقوم عليها الوحدة في المجتمع الإسلامي؛ لأن نظرية التوحيد هي نظرية وحدوية، بعد أن يكون مركز النظام التكويني والتشريعي هو الأمة الواحدة وليس المهم في نظر القرآن الكريم والإسلام هو مجرد اجتماع المسلمين واتفاقهم على شيء أو أشياء، بل المهم أن تكون هذه الوحدة والاتفاق في الله، ومن أجل الله، وفي سبيل الله.
و قد ركز (رحمه الله) على مشاهد من القرآن الكريم:
المشهد الأول: مشهد الوحدة من خلال اعتصام جميع المسلمين بحبل الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا…).
المشهد الثاني: مشهد تأليف القلوب وانسجامها بعضها مع البعض الآخر من خلال العامل الغيبي المتمثل بالنعمة الإلهية والتأييد والنصر الرباني، قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً).
المشهد الثالث: مشهد البراءة والعداوة والبغضاء بين أبناء الأسرة الواحدة والقوم الواحد؛ بسبب الكفر بالله تعالى وعدم الإيمان به. قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
الأساس الثاني: الطاعة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
تعد الطاعة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والالتزام بأوامره وتعليماته وأحكامه وإتباع مواقفه وقراراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والقضائية في الدرجة الثانية من حيث الأهمية في تحقيق وحدة المجتمع الإسلامي، فضلا عن الآثار الروحية والمعنوية التي تترتب عليها. وهذه الأهمية تنبع من مجموعة من العوامل والمنطلقات العقائدية والأخلاقية والمصالح السياسية والقضايا الاجتماعية، ومن هذه القضايا التي أوردها السيد شهيد المحراب (قدس سره):
ا) إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المبلغ للرسالة، والناطق بالوحي الإلهي (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). فتمثل طاعته طاعة الله سبحانه وتعالى، والإيمان به إيمانا بالرسالة الإلهية، فهو خليفة الله في الحياة المادية، قال تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) .
ب) إن الرسول الله يمثل في النظرية الإسلامية جانب الإمامة إلى جانب النبوة والبلاغ، ومعنى ذلك أن طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تمثل إلتزاما في أحد جوانبها بالكيان السياسي الإسلامي، وهذا يعني أهمية الأثر الذي يعطيه القرآن الكريم والإسلام للكيان السياسي في المجتمع الإنساني، وبطبيعة الحال ينسحب هذا المبدأ على جميع الحالات الأخرى للكيان السياسي الإسلامي الشرعي. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ…) .
فإطاعة الرسول أحد الآثار المهمة التي صرح بها القرآن الكريم. وهي تحقق الوحدة بين المسلمين، وتعالج أسباب الخلاف والنزاع.
الأساس الثالث: رعاية القيادة الإسلامية للأمة.
إن المركز المهم الذي تتمتع به القيادة الإسلامية في المجتمع الإسلامي يؤهل هذا المنصب القيام بأثر كبير في تحقيق الوحدة بين المسلمين، وهذه القيادة تكون قادرة على تحقيق آثارها في حفظ الوحدة وأستمرارها وبقائها، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بشكل واضح في بعض الآيات كقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) . ويتحدث القرآن الكريم عن خلق رسوله العالي في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .
الأساس الرابع: الأخوة الإيمانية
إن الأخوة الإيمانية تمثل بنظر القرآن الكريم إطار الوحدة الإسلامية؛ لأنها تعطي الوحدة شكلها الاجتماعي وقيمتها الإسلامية؛ لأن الوحدة بين الأشياء المتعددة تحتاج إلى إطار واحد يجمعها فإما العرق والجنس، أو اللغة والقوم، أو الجغرافيا والأرض والتراب، أو المصالح والمنافع، أو القيم والمثل الإنسانية، والنظرية القرآنية في هذا الإطار الواحد تنطلق من هذا التصور الذي يقول: إن البشرية كلها من أصل واحد. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) فهي متحدة في أصل وجودها. كما أن المجتمع الإنساني كان واحدا باعتبار وجود هذا الأصل له، وهذه العلاقة الرحيمة.
وإن الاختلاف بين بني الناس بسبب الظروف الحياتية والتعدد الشعوبي والقبلي إنما هو إختلاف طارئ يراد منه تنظيم الحياة الإنسانية والاجتماعية، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).
وكانت العلاقة الإيمانية والأخوة الإسلامية تمثل الوحدة الحقيقية بين بني البشر جميعاً على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأقوامهم وقبائلهم وأماكن سكناهم، قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) . ومن هذا المنطلق وجد السيد شهيد الحكيم (رحمه الله) القرآن الكريم يقدم هذا الإطار ضمن أبعاد والخطوات الآتية:
1. طرح مفهوم الأخوة الإسلامية بعيداً عن كل أسباب الفرق والاختلاف، غير الفرق والاختلاف على أساس التوحيد لله والالتزام بحدود الله وشرائعه، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).
2. تأكيد قاعدة هذه الأخوة بتطوير العلاقة العقائدية والإيديولوجية إلى علاقة ذات بعد نفسي وروحي وعملي من خلال التعبير عنها بعلاقة الولاء، وتترتب عليها حقوق وواجبات قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
3. إن هذا الولاء بين المؤمنين ينطلق من الولاء لله تعالى ولرسوله، ويرتبط به، وعلى أساسه تتكون الكتلة المسلمة في حركتها السياسية والاجتماعية، فالله سبحانه وتعالى هو مولى المؤمنين، نعم المولى ونعم النصير، قال تعالى: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ).
4. الدعوة إلى ترك جميع الولاءات الأخرى التي لا ترتبط بالولاء الإيماني، سواء العائلية أم القبلية منها، أم الجماعات الدينية الأخرى، فضلاً على الكفار والمشركين، وهذا الأمر يجعل محور الولاء الأصلي في الحياة الاجتماعية والسياسية هو الولاء الإيماني، أي: ولاء المؤمن لله تعالى وللرسول وللمؤمنين. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً).
5. أبعاد الولاء ومواصفاته، حيث تحدث القرآن الكريم عن هذا المضمون، فأشار إلى ضرورة أن يتصف هذا الولاء بالحب والإيثار والرحمة والتواضع والنصرة، ومن هنا يتحول هذا الولاء من مجرد عاطفة قلبية إلى مضمون روحي واجتماعي وسياسي يصلح لأن يقوم على أساسه المجتمع الإسلامي الواحد، ويمثل رباط الوحدة الإسلامية القوية، قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً..).
الأساس الخامس: القاعدة الأخلاقية
تشكل القضية الأخلاقية في النظرية الإسلامية برؤى السيد شهيد اية الله الجكيم (قدس سره) قاعدة أساسية في مجمع التصور الإسلامي تجاه مختلف قضايا العقيدة والعلاقات الاجتماعية والسياسية، والتكامل الإنساني الجماعي والفردي في الدنيا والآخرة، وأن محتوى النظرية الإسلامية العام إنما هو محتوى أخلاقي، كما ورد في ذلك الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» .
ونختم هذا التقرير باقوال من الشهيد اية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره) :
"أنا أعتقد أن قضية التقريب في نظرية أهل البيت قضية أساسية ورئيسية. وواجب من الواجبات الشرعية. وأول من رفع شعار التقريب بين المسلمين هم أهل البيت. ولم يرفعوه شعاراً يتحدثون عنه فحسب، بل جسدوه أيضاً حالة عملية وخارجة وتطبيقية، وقدموا على طريقه تضحيات كبيرة جداً على المستوى الشخصي لهم وعلى مستوى الجماعة والفئة التابعة لهم والملتزمة بسلوكهم ومسيرتهم. ولقد تحدثت عن مواقفهم هذه في كتاب: الوحدة الاسلامية من منظور الثقلين. وهناك مجموعة من المبادئ الرئيسية المعروفة لدى مذهب أهل البيت تجسّد هذه الحالة مثل مبدأ التقية.
هذا المبدأ هو مبدأ تقريبي، ولو طالعنا نصوصه مطالعة واعية لوجدنا أنه لا يقتصر على الجانب الامني بل يشمل أيضا البعد التقريبي، والبعد الوحدوي وهو بعد مهم غفل عنه كثير من الباحثين. وأشرت في كتابي المذكور الى نصوص التقية التي تكرّس هذا البعد التقريبي الوحدوي. وثمة مبدأ آخر غفل عنه كثيرمن الباحثين هو مبدأ التعايش بين المسلمين. وقد نادى أهل البيت (ع) بهذا المبدأ وهو من خصائص مدرستهم. هناك تيارات الخوارج وتيارات الجهاز الحاكم وتيارات الانتهازيين وتيارات الثوريين المنتسبين لأهل البيت (ع) مثل الزيدية الذي تبناه بعد ذلك الحسنيون بعد زيد وأولاده.
وتمتاز مدرسة أهل البيت بين كل هذه التيارات بدعوتها الى مبدأ التعايش السلمي بين المسلمين. ونرى مصاديق هذا المبدأ في دعوة أهل البيت للاشتراك في صلوات الجماعة وزيارة المرضى والاهتمام بالأمور الاجتماعية مثل تشييع الجنائز والوفاء بالعقود وغيرها من المسائل التي دعوا المسلمين جميعاً اليها، من أجل أن يؤكدوا مسألة التعايش.
وهذا مبدأ مهم لم يدرس بشكل كامل مع الاسف في أبحاثنا السياسية والاجتماعية.لقد تبنّى أمير المؤمنين (ع) مبدأ الحرية السياسية ومبدأ التعددية السياسية في المجتمع الاسلامي. وظل أهل البيت يتبنون هذا الرأي. وهي ظاهرة سياسية مهمة. فالامام يعتقد أن الخوارج على خطأ، و و ...... لكنه لم يتخذ موقفاً قمعياً لاسكاتهم، وإنما ترك لهم الحرية في أن يتحركوا. وكان يكتفي بإدانة مواقفهم. وبقوا يتحركون حتى رفعوا السلاح بوجه الإمام علي (ع). عندئذ لجأ الى مايحافظ على وحدة المسلمين.
وأئمة أهل البيت تبنوا أيضا مقولة: "لاستسلمنّ ماسلمت أمور المسلمين ولم يكن الجور الا عليّ خاصة". وهي مقولة ذات دلائل وحدوية. وهذه هي مبادئ التشيع وأفكاره. وفي تاريخنا القديم والحديث صور كثيرة تعبّر عن الموقف العملي لهذه الحالة الوحدوية" .
و السلام عليك يوم ولدت و يوم استشهدت و يوم تبعث حيا
اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد