حامل الراية التقارب والألفة بين أتباع المذاهب الإسلامية
الامام كاشف الغطاء من دعائم التقريب و الوحدة والأخوة الإسلامية في القرن الاخير (2)
الشيخ محمد الحسين بن الشيخ علي بن محمد رضا بن موسى بن الشيخ جعفر الكبير صاحب كتاب كشف الغطاء بن الشيخ خضر بن يحي بن سيف الدين . ينتسب إلى عائله عربية يمانية هاجر جدها الأعلى الشيخ خضر بن يحي إلى النجف الاشرف منذ مائتين وخمسين سنة تقريبا من جناجة بلدة في جنوب الحلة وأنجب أربعة أبناء منهم الشيخ جعفر الشهير .
و من اقول الامام الشيخ محمد الحسين أل كاشف الغطاء :" بني الاسلام على دعامتين كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة توحيد الخالق والتوحيد بين الخلائق :
إن الإسلام قد بني على دعامتين: (توحيد الكلمة) و(كلمة التوحيد)..توحيد الخالق، وتوحيد بين الخلائق.
كم قلنا وكم نبهنا وكم صرّح الحكماء والمصلحون قبلنا، ولكن هل أثر ذلك شيئاً؟ كلا! لا والله حتى صرنا اليوم نخجل أن نتكلم في اتحاد أو جمع كلمة، وحتى عرف رجال الغرب إن المسلمين أتفقوا على أن لا يتفقوا، وأبوا إلاَّ أن يتفرقوا! وأصبحت الأذناب تعلو على الرؤوس، حتى آل الأمر إلى أسوأ الأحوال، وصارت الصهيونية التي هي طريدة العالم ونفاة الأمم يتكلمون في بلادنا، ويبثون الدعاية الواسعة بين أظهرنا، ونحن مشغول بعضنا ببعض، والبلاء محيط بنا من جميع جوانبنا.
إنّ كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة خرجت في الوقت الحاضر من طور الدعوة والبرهان والحجة والبيان إلى الضرورة الحتمية بأنْ ترى بالعين وتلمس باليد لا أن تلفظ فقط باللسان للظروف والتحديات المحيطة بنا، فيلزمنا العمل والصدق والإخلاص والتضحية والمفاداة وهي الحياة أو الممات، فلا وقت للكتابة والأقوال بل للجهود والأعمال، ولا يلزم من هذه الدعوة إزالة المذاهب الإسلامية ولا إضعاف ولاء المسلمين لمذاهبهم، وإنما تنشد إزالة العداوة المتبادلة بين أهل المذاهب والتقاطع والتنافر والتناحر، لأنه لا تلازم بين وجود المذهب والولاء له وبين عداوة المنتسبين إلى المذاهب الأخرى وبغضهم. ولكن مما يُكْلِمُ القلوب، ويُشجي الأفئدة، ويزيد الطين بلة، ويجعل العقول صرعى أن بعضاً من علماء المسلمين ما زالوا يتراشقون بعضهم ببعض، ويتجاهلون خطورة المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية، فإن الدول الاستكبارية والاستعمارية ومن لفّ لفهم أصبحوا يَسِمُون العناوين بكون هؤلاء من المجاهدين أو من الإرهابيين، بل يصطفون مع فئة في زمن بعنوان أنهم مجاهدون، وفي فترة أخرى يحاربونهم بعنوان أنهم إرهابيون، مما جعلنا أضحوكة أمام أعداء الإسلام والمسلمين، وأصبحنا اليوم (نهزة الطامع ومذقَة الشارب) قد أحاطت بنا الأعداء، وسلكت لمحو الإسلام سبل الحيل والدهاء، يريدون الاستيلاء علينا لسلب نعمنا وابتزاز ثرواتنا.
وفي هذا الوقت العصيب المنذر بالمصير الرهيب ولما يحيط بنا من التحديات علينا أن نستذكر أننا مسلمون ديننا واحد وربنا واحد وكتابنا واحد ورسولنا واحد وأهدافنا في الحياة واحدة، وأعداؤنا هم أعداء لنا لا بحكم أننا شيعة أو سنة ولكن بحكم أننا مسلمون تجمعنا أهداف الإسلام وأصوله، وأن ننصرف عن جميع الخلافات وننسى العصبيات.
إن الصهيونية من أخطر البوائق وأعظم البلاء..جمعية أقوام متفرقة أعداء الإسلام في بلاد المسلمين، يجمعون أموال المسلمين ويملكون أراضيهم والمسلمون مشغولون عنهم.
ليست الصهيونية بلاء على فلسطين وحدها، بل هي بلاء على العالم أجمع..يجمعون الأموال بكل حيلة ووسيلة، ويرسلونها إلى أخوانهم في فلسطين لينشئوا فيه وطناً قومياً.
الصهيونيون يرون إن الأموال التي في أيدي الناس مغتصبة منهم، وإن المال كله في الأرض لإسرائيل وبني اسرائيل، بل الأرض كلها لهم، فيجب أن ينتزعوها من أيدي الناس بكل مكر وخديعة.
أين حميتكم أيها المسلمون وأين غيرتكم؟ أين جمعياتكم وأين جهودكم؟…خمسة عشر مليون كل ما في العالم تلاعبوا بالدول وألهبوا نار الحرب والفتن بين عامة الأمم مسلمة ونصرانية.
المسلمون أربعمائة مليون تغلبت عليهم تلك الفئة الضئيلة، حتى أخذوا أزمة الأمور، وقبضوا روح السياسة، وأستولوا على دفة الحكم...فما من دائرة من الدوائر في العراق (انذاك)، بل وفي غيره من الممالك الإسلامية، إلاَّ وتجد لليهود فيها يداً عاملة تنفذ السموم القاتلة، إذ جميع اليهود على الأغلب صهيونيون، ولا أحسب يهودياً غير صهيوني.
لقد تخدّرت أعصابنا، وماتت هممنا، وخمدت عزائمنا، فأصبحنا أُسراء في ديارنا وأذلاّء في أوطاننا، ولا نعلم ماذا يراد بنا وكيف يكون مصيرنا.
الله أكبر! ما أعضل هذا الداء !... كيف لا ينفطر قلب المسلم الغيور إذا بلغه إن نساء المسلمين، من الضعفاء والمساكين في بلادكم هذه، وهي من عواصم بلاد الإسلام، يستخدمن عند اليهود والأجانب وأنتم ساكتون، تنظرون ولا تفكرون، وتبصرون ولا تبتصرون..أليست نساء أخوانكم وأعراضهم أعراضكم؟! أفلا تهيج غيرتكم وتثور حميتكم؟!.
أيها الناس !
أنا نذير الله إليكم! الله الله في بلادكم! الله الله في دينكم!.. دين الله وديعة عندكم وقد أصبح مهدداً، فإن لم تتفقوا وتتحدوا فسينزعه الله منكم فتنزع عنكم كل خير وبركة! وإذا بقيتم على هذا الحال من الفرقة والتقاطع فستذهب ريحكم ويتمزق شملكم وتكونون أذل من قوم سبأ!.
و من انجازاته (رحمة الله ) التقريبية و الوحدوية .......
دعوته إلى الاتحاد بين الدول الإسلاميّة، والى اتحاد المذاهب الإسلاميّة فيما بينها:
يحذر الشيخ كاشف الغطاء الدول الإسلاميّة من توقيع المعاهدات مع الدول الاستعمارية والدخول في أحلاف معها فإنه في الوقت نفسه يؤكد على أن سمو الأمة الإسلاميّة ورفعتها هو في وحدتها، وبهذا الصدد يقول: (ولو أن هذه الشعوب والممالك أخلصت لله نيتها، وأحكمت وحدتها، ووحدت كلمتها، وسحقت الأطماع وسياسة الخداع ما بينها، عارفة حق اليقين أن مصارع العقول تحت بروق المطامع، وأن الاتحاد قوة، والاجتماع ثروة…) .
وعلى صعيد آخر يقول الشيخ: (نعم، من الواجب واللازم إنشاء حلف صادق بين الدول العربية والإسلامية، مشروط بعدم دخول الدول الاستعمار فيه…).
لقد كان الامام الكاشف الغطاء كثيراً ما يؤكد على أهمية الاتحاد بين الجمهور والإمامية تحت لواء الإسلام ومبادئه الاسياسية الحقة، وللشيخ رسالة سماها: “كيف يتحد المسلمون؟ ” بين فيها أفكاراً مهمة لتوحيد المسلمين منها:
١ – وحدة أبناء التوحيد تحت شعار: “لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله “.
٢ – الاتحاد من خلال العمل.
موقفه من حرية المذاهب والأديان
ودعا الامام كاشف الغطاء في كتاباته إلى المحافظة على حرية المذاهب والأديان، حيث يقول: (إلى كلّ ذي حس وشعور يعلم أن المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى الاتفاق والتآلف، وجمع الكلمة، وتوحيد الصفوف، وأن ينضم بعضهم لبعض كالبنيان المرصوص، ولا يدعوا مجالاً لأي شيءٍ مما يثير الشحناء، والبغضاء، والتقاطع والعداء) .
ويجب المحافظة على حرية المذاهب والأديان كما قال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق…. ). ومن الحق أن ما يواجهه الحق من باطل يلزم المسلمين قطع أيادي السوء التي تعبث بإفساد البلاد، ومن الحزم، بل من الحتم إذا حصل بين أهل البلد الواحد شيء من الوهم سعى الحكماء والعقلاء فوراً إلى إزالته والمبادرة إلى الإصلاح.
ويتبع الامام كاشف الغطاء القول بالعمل، فقد بارك وأثنى على أية خطوة تدعو إلى الاتحاد، ونذكر هنا موقفين وشاهدين على ذلك:
أوّلاً: مع دار التقريب في مصر:
أرسل الإمام رسالة لدار التقريب مشجعاً فيها فكرة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، وفيما يلي مقتطف لبعض ما جاء في هذه الرسالة:
فضيلة العالم الجليل الشيخ “محمود شلتوت” أيده الله: (اطلعت على كلمة لكم في بعض الصحف كان فيها لله رضى وللأمة صلاح، فحمدناه تعالى على أن جعل في هذه الأمة وفي هذا العصر من يجمع شمل الأمة، ويوحد الكلمة، ويفهم حقيقة الدين، ويزيد الإسلام لأهله بركر وسلاماً، وما برحنا منذ خمسين عاماً نسعى جهدنا في التقريب بين المذاهب الإسلاميّة وتدعو إلى وحدة أهل التوحيد).
ثانياً: مع مؤتمر القدس:
إنّ مؤتمر القدس الذي ضم علماء المسلمين للتداول وبحث أوضاع المسلمين كان موضع أمل واستبشار الشيخ، وقد عبر عن موقفه بقوله:
(ودبت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة، وصار يتقارب بعضهم مع بعض، ويتعرف فريق لفريق، وكان أول بزوغ لشمس تلك الحقيقة، ونمواً لبذر تلك الفكرة: ما حدث بين المسلمين قبل بضعة أعوام في المؤتمر الإسلامي العام في القدس الشريف من اجتماع ثلة من كبار المسلمين وتداولهم في الشؤون الإسلاميّة…. ) .
وقد وقف الامام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مواقف مجيدة للدفاع عن فلسطين فَوَثَب وِثْبَة الأسد الرئبال الذائد عن حياض أشباله، فعندما سافر إلى المؤتمر الإسلامي في فلسطين وبمعيته العلامة الشيخ عبد الرسول كاشف الغطاء صاحب مجلة لواء الوحدة الإسلامية ومؤسس جمعية الوحدة الإسلامية وحسس العالم الإسلامي بخطر الصهيونيين وخطب الخطب العديدة في محافل حاشدة واجتماعات حافلة بعبارات كلها آيات بينات مستنهضا هممهم.
وقد صدرت منه عدة نداءات حول قضية فلسطين، منها ما نشرته جمعية الدفاع عن فلسطين رقم (11) بغداد/ السبت في 6 آب 1938م في 5 جمادي الآخرة 1357هـ نصه (انفروا خفاقا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم أيها العرب أيها المسلمون، إن الجهاد أصبح واجباً عليكم في سبيل الوطن).
وقد وجه سماحة الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء نداء عاما إلى الأمة الإسلامية وجعل يوم الجمعة 5 آب سنة 1938م يوم فلسطين وقد جاء في هذا النداء ما نصه: (أيها العرب وأيها المسلمون؛ بل أيها البشر وأيها الناس أصبح الجهاد في سبيل فلسطين واجبا على كل إنسان لا على العرب والمسلمين فقط.نعم هو واجب على كل إنسان لا بحكم الأديان والشرائع فقط؛ بل بحكم الحس والوجدان ووحي الضمير وصحة التفكير والخطة العملية في ذلك أن من يستطيع اللحوق بمجاهدي فلسطين بنفسه فليلتحق بهم ولا أقول: إني ضمين له أنه كالمجاهدين مع النبي صلى الله عليه واله وسلم في بدر.
فإنّ المقام أجلى وأعلى من ذلك المقام مقام شرف وغيرة وحس وشعور لا مقام طلب أجر وثواب وإن كان ذلك بأعلى مراتبه ومن لم يستطع اللحوق بنفسه فليمدهم بماله إما بتجهيز من لا مال له ليلحق بهم أو بإرسال المال إلى المجاهدين وعيالهم وأطفالهم، ومن عجز عن ذلك فعليه أن يجاهد ويساعد بلسانه وقلمه ومساعيه جهد إمكانه وهذه أدنى المراتب، وليكن كل أحد على علم جازم أنّ القضية قضية موت العرب وحياتهم).
في ايامه الاخيرة من حياته فسافر إلى بغداد ودخل المستشفى فبقي شهراً ثم رجح له البعض الرواح إلى كرند فقصدها في (15 ـ ذي القعدة ـ 1373) 1954للميلاد وتوفى بها بعد صلاة الفجر يوم الاثنين (18) من العام المذكور ونقل جثمانه إلى النجف بعظمة قل ما شوهد نظيرها؛ ودفن بمقبرة خاصة أعدها لنفسه في وادي السلام، وكانت الخسارة بفقده فادحة وقد فجع به العالم الإسلامي في أمسّ أوقات الحاجة إليه إذ كان ركناً من أجل أركانه، وبقي مكانه ـ وسيبقى ـ شاغراً كما خسرته النجف زعيماً عظيماً وأباً باراً واسما لامعا بين اسماء الاصلاح وعمائم التنوير النجفية .
دفن كاشف الغطاء قريبا من وسط اريج البستان الذي زرعه والده الشيخ علي كاشف الغطاء والتي اصبحت بعد وفاته صرحا كبيرا من صروح الفكر والثقافة الا وهي المكتبة العامة للامام كاشف الغطاء ،والتي تضم نفائس المخطوطات والكتب والملفات في كافة مجالات المعرفة،والمكتبة اليوم قبلة للباحثين والاكاديميين والمؤرخين ياتون اليها من كل صوب للتزود من زادها المعرفي ونفائس مخطوطاتها ،يستنشقون بين رفوفها وغرفها بالنسمات العليلة و رائحة العنبر والمسك لسيرة مؤسسها حامل الراية التقارب والألفة بين أتباع المذاهب الإسلامية و امام الاصلاح ورمز التجديد الامام محمد الحسين كاشف الغطاء رحمه الله وجعله في الخالدين... .وَسَلَامٌ الله عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ مات وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا.
و من اهم مؤلفاته منشورة :
المثل العُليا في الإسلام
العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية
صحائف الأبرار في وظائف الأسحار
مبادئ الإيمان في الدروس الدينية
التوضيح في بيان ما هو الإنجيل
مغني الغواني عن الأغاني
نبذة من السياسة الحسينية
الأرض والتربة الحسينية
الميثاق العربي الوطني
أصل الشيعة وأُصولها
المحاورة بين سفيرين
المراجعات الريحانية
نقض فتاوى الوهابية
الفردوس الأعلى
وجيزة المسائل
الدين والإسلام
الآيات البينات
تحرير المجلة
جنة المأوى
اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد