أصرح كلام للإمام علي عليه السلام حول المحافظة على الوحدة
يتحدث أمير المؤمنين علي عليه السلام في الخطبة 127 من نهج البلاغة عن نفسه حيث يمكن اعتبار ذلك ملاكاً أساسياً لمعرفة التكليف:
«و سَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَ مُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَ خَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالًا النَّمَطُ الْأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ وَ الْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَ إِيَّاكُمْ وَ الْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ أَلَا مَنْ دَعَا إِلَى هَذَا الشِّعَارِ فَاقْتُلُوهُ وَ لَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هَذِهِ»
إنّ هذه الكلمات عميقة و مليئة بالمعاني لدرجة أنه يمكن تأليف الكتب في شرحها لكن سنكتفي في هذا المجال الضيق بالإشارة إلى بعض النقاط الشفافة وما يستلزمه هذا الكلام:
♦ التحذير بأن مجموعة سوف تُبتلى بالإفراط و مجموعة أخرى بالتفريط حول الامام علي عليه السلام هو من بين النقاط التي كان يشاهدها في حياته بين صنفين من مؤيديه ومعارصيه لذلك سعى للوقاية منها وذكّرهم بأن كلا الحالتين خاطئتين. طبعاً واضح لنا بطلان العداء له لكننا نحن المتدينون قليلاً ما نتحدث حول الإفراط تجاه الأئمة. فالشخص الذي يحبّ الإمام حقاً عليه أن يمرّن نفسه على تلك النقطة وأن يقوم بالإتّباع العملي لأوامره وأهمها ما جاء في الحديث المذكور أعلاه وبعبارة أخرى أن لا يصبح كاثوليكياً أكثر من البابا!
♦ لقد دعاالإمام في هذا الحديث إلى ملازمة السواد الأعظم إلى جانب اختيار النمط الأوسط وكأن هذا التماشي مع غالبية المجتمع هو بدوره جزء من خط الإعتدال وأن الإهتمام بهذا العامل الذي يجب مراعاته واعتباره من مستلزمات الحياة مع الناس هو أصل محوري. كما يؤكد قائلاً حاول أن تكون مع السواد الأعظم لأن يد الله مع الجماعة. فبعضنا بسبب طرح مسألة الحق و الحقانية تتولد لدينا روح النفور والتضاد وبما أن الأكثرية ليست بالضرورة ملاك الحق كما أننا لا نعتبر التماشي مع المجتمع ملاكاً. طبعاً كان لدى الإمام قبلنا هاجس الحق لكنه يشير هناك إلى هذه النقطة الهامة وهي أن عون الله يأتي حيث تكون الجماعة ليذكرنا بذلك بأهمية موضوع وحدة المجتمع.
♦ التحذير من الفرقة هو من الفقرات الهامة الأخرى في هذا الحديث القيّم. فالمثال الذي يضربه الإمام حول الأشخاص المتفرقون يبيّن بوضوح موضوع «العزة و القوة» في ظل المحافظة على الوحدة. فالأشخاص الذين يتفرقون يضعفون ويتم القضاء عليهم بسهولة من قبل العدو، لذلك يجب على المسلمين بذل كل ما في وسعهم للمحافظة على الجماعة في المجتمع الإسلامي. هذا «غاية الجهد من أجل المحافظة على الوحدة» وهو نفس الشيء الذي لاحظناه في السيرة العملية لكبار علماء المسلمين ولا ينبغي التفريط بذلك مهما كان السبب وبمبررات مختلفة.
♦ موضوع المحافظة على وحدة المجتمع الذي هو في الحقيقة المحافظة على عزة و قوة ذلك المجتمع هو موضوع هام لدرجة أن الإمام قد قال صراحة أنه إذا نادى شخص بهذا الشعار فإن لكم الحق في قتله! حقيقة لو كانت هذه الجملة فقط موجودة في باب المحافظة على وحدة المجتمع الإسلامي لكانت كافية لأولئك الأشخاص الذين يزعمون أنهم من أتباع هذا الإمام الهمام ولاعتبروا أن أهم قضية لديهم هي المحافظة على وحدة المسلمين.
♦ والأهم من ذلك أنه يؤكد إذا دعا شخص إلى الفرقة فتعاملوا معه بشدة حتى لو كان تحت عمامتي. إن السيرة الوحدوية للامام علي(ع) هي أفضل مثال لهذا الملاك المحوري الهام. والآن كيف يمكن لشخص قد سمع هذا الكلام الصريح للغاية أن يجعل من دفاعه عن هذا الإمام سبباً و ذريعة للفرقة ؟! حقيقة أي عذر يمكن أن يقدّمه أمام هذه الصراحة في الكلام والظهور في الحديث؟!هل هناك شيء غير الحماقة أو الخباثة يمكن أن يكون سبباً لبعض التصرفات التي تسبب الفرقة باسم الدفاع عن علي(ع).؟!