المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية
حديث التقريب.... شهر ربيع المولد.. مولد أمة
حديث التقريب
شهر ربيع المولد.. مولد أمة
نحن في شهر ربيع الأول.. شهر مولد رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
لابد لنا من وقفة ونحن على اعتاب هذه الذكرى العطرة نستذكر فيها الرحمة التي منّ الله بها على البشرية بمولد خاتم الأنبياء: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ".
وأعظم عطاء لهذه الرحمة أنه جعل من القبائل المتفرقة المتنازعة في الجزيرة العربية أمة واحدة حملت مشعل الهداية الى شرق العالم وغربه فكانت الأمة الكبرى التي ننعم اليوم بظلالها، ونعيش على أمل استعادة وجودها كأمة شاهدة وسط على ساحة التاريخ.
جدير بنا ونحن نتحدث عن «الأمة الاسلامية» أن نشير إلى الخصائص التي أرادها الله لهذه الأمة كي تكون خير أنه أُخرجت للناس، فهي لنا معالم في طرق مسيرتنا نحو عودتنا الحضارية.
هذه الأمة ترتبط بمشتركات من العقيدة والعواطف والأهداف، وتتعاون مع بعضها من أجل دفع مسيرة المجتمع نحو الخير ووقاية المسيرة من كل انحراف: «كُنتُم خَيرَ أُمـّة أُخرِجَت للناسِ تأمُرونَ بالمعروفِ وتَنـَهونَ عَنِ المنكر».. ووضعَ الاسلام كلّ ضماناتِ بقاءِ وحدة هذه الأمة وصيانةِ وجودها من التفرّق والتمزّق، ومن هذه الضمانات:
الاعتصام بحبل اللّه، أي التمسك بنهج واحد هو نهج اللّه، والتوجه نحو هدف واحد هو رضا اللّه سبحانه:" واعتَصِموا بِحبْلِ اللّهِ جَميعا ولا تَفَرّقوا".
ومنها إبعاد المجتمع الاسلامي عن السيطرة الفرعونيّة.. فالفراعنة يقيمون حكمهم على أساس التجزئة الاجتماعية : " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا " بينما الحاكم الاسلامي الحق مكلف بتعميق صلات التعاون والتآخي والمواساة والتكافل في المجتمع الاسلامي.
كما أن الاسلام حلّ الصراع القائم بين المصلحة الفردية والمصلحة الاجتماعية، وجعل العملَ في سبيل اللّه يحقق المصلحتين الفرديةَ والاجتماعية معا: "... ذلك بأَنـّهم لا يُصيبُهـُهم ظَمأ ولا نَصَبٌ ولا مَخمَصـَة في سَبيلِ اللّه، ولا يَطأون مَوطئاً يغيظُ الكفار ولا يَنالونَ مِنْ عَدوٍّ نَيلا إلاّ كُتِبَ لَهُم بِـهِ عملٌ صالحٌ إنَّ اللّهَ لا يُضيعُ أجرَ المحسنين . ولا يُنفِقُون نَـفـَقَـةً صغيرةً ولا كبيرةً ولا يَقطَعونَ وادياً إلاّ كُتِبَ لَهم ليجزيَـهُم اللّهُ أحسَنَ ماكانوا يَعـمَلون" . وبذلك صان المجتمع من عامل آخر من عوامل التمزق هو الاصطدام بين المصالح.
والاسلام جعل وشائجَ الايمان أعظمَ من وشيجة العائلة والقبيلة والقوم:" لا تَجدُ قوماً يُؤمِنونَ باللّه واليومِ الآخِر يُوادُّونَ مَن حادَّ اللّهَ ورسولَه . ولو كانوا آباءَهم أو أبناءَهم أو إخوانَهم أو عَشيرتَهم . أولئك كَتِبَ في قلوبِهمُ الايمانُ وأيّدهم بروح منه . ويُدخلُهم جَنّات تَجري من تحتِها الانهارُ خالدينَ فيها . رَضيَ اللّهُ عَنهم ورَضُوا عنه . أولئك حزبُ اللّه ألا إنّ حزبَ اللّه هم المفلحون".
وفي هذه الأمة ذابت الفوارق القبلية والقومية والطبقية، ووضعت النزاعات القبلية أوزارها بعد أن سادت روح الاخوة الايمانية:" اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتُم أعداءً فأَلـّـفَ بينَ قُلوبِكم فأَصبَحتُم بِنعمَتِـهِ إخوانا وكنتُم على شَفا حُـفرة مِنَ النارِ فأنقَذَكم منها". وأصبح المعيار الوحيد للتكريم في المجتمع هو «التقوى»: " يا أيها الناسُ إنّا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجَعـَلناكُم شُعـُوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمَكم عِندَ اللّهِ أتقاكم".
وهذه الامّة الموحِّدة في عبادتها والموحَّدة في تركيبها الاجتماعي تغيّرت في أفكارها ومشاعرها، فترك ذلك أثرًا كبيرًا في سلوكها وكلامها ومواقفها. وأصبح الفرد المسلم يشعر بأنه مسؤول أمام اللّه سبحانه في كل تصرفاته، ولذلك انضبط في إطار تعاليم الدين المبين، وأصبح لايعيش لنفسه وأهوائه وذاتيته الفردية أو القبلية، بل يحمل مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع الجديد، ويستشعر مسؤولية هداية البشرية جمعاء إلى الدين المبين وتحريرها من أغلال العبوديات الزائفة.
ومن الطبيعي أن تولد مع ولادة هذه الامة قيمٌ جديدة وآداب جديدة، وحركة جديدة في الفكر والمشاعر، وأسلوب جديد في التعبير نجده متمثلا آدابها وخطابها.
وتميّز المجتمع الاسلامي في عصره الاوّل بخصائص فريدة، أبرزها الايمان بعقيدة «التوحيد». ولم يكن هذا الايمان عقليًا فحسب، بل أصبح عند الأمة الجديدة منهجًا في العبادة، وطريقًا في الحياة، وسلوكًا على الصعيدين الفردي والاجتماعي.
فقد أزالت هذه العقيدة كلَّ الأصنام والأوثان من الجزيرة العربيّة، كما جعلت «الحاكمية» في المجتمع للّه وحدَه دون سواه، وليس لفرد أن يحكم وفق أهواء فردية أو اجتماعية، بل وفق ما أمره اللّه: " إنِ الحكمُ إلاّ للّه، أَمـَـرَ أن لا تعبُدوا الا إياه"،
" وأَنِ احكُم بينَهم بما أَنـزَل اللّهُ ولا تتّبع أهواءَهم". وبذلك ظهرت الحكومة الاسلامية وعلى رأسها الحاكم الاسلامي. وأصبح المجتمع المسلم تحت قيادة واحدة، وزال النظام العشائري في ذلك المجتمع.
وعقيدة التوحيد جعلت الفرد المسلم في حياته الفردية والاجتماعية يبتغي رضا اللّه دون سواه، وبذلك تحرر الانسان المسلم من عادات الجاهلية وتقاليدها بقدر رسوخ عقيدة التوحيد في نفسه. وأصبح يسعى الى «الخيرات» وإلى بذل المال والنفس في سبيل رضوان اللّه، وإلى التخلق بالتقوى والصلاح.
ومن خصائص هذا المجتمع الوليد تفجّر العواطف الانسانية السليمة في نفوس أبنائه، وابتعادهم عن خشونة الجاهلية وفظاظتها، فالناس كلهم عباد اللّه، والعلاقة بين العباد يجب أن تكون علاقة سلام ومودّة: "وعبادُ الرّحمنِ الذينَ يَمشُون على الأرضِ هَوناً وإذا خاطَبـَهم الجاهلونَ قالوا سَلاما". والعلاقات الزوجية علاقة مودّة ورحمة: " ومِن آياتِـهِ أنْ خَلـَـقَ لكم مِن أنفسِكم أزواجاً لتَسكُنوا إليها وجَعـَل بينكم مودةً ورحمة".
هذه العلاقة الانسانية بين الأفراد تستدعي التكافل الاجتماعي والانفاق لإزالة كل فقر وعوز في المجتمع. ومن هنا كان المؤمنون هم " الذين يُنفِقُون أموالَهم بالليلِ والنهارِ سِراً وعلانية.."، كما أنها تستدعي حمل الكلمة الطيبة الى كل الناس تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر بالتي هي أحسن:" ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".
وهذه العلاقة الإنسانية نفسها تستدعي البراءةَ من أعداءِ اللّه الذين هم أعداء الانسانية في الواقع. وتستدعي إزالتَهم من طريق انتشار نور الهداية، ولذلك كان المجتمع الاسلامي مجتمعًا آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، مجاهدًا في سبيل اللّه.
وتميّز المجتمع الإسلامي الوليد بسيادة العقل والفكر، فآيات اللّه سبحانه لايعقلها الا المتفكرون: " اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ". وأصبح للقراءة والكتابة أهمية فائقة في هذا المجتمع، فأول آية نزلت على النبي(صلى الله عليه وآله) هي:" إقرأ باسمِ ربّكَ الذي خَـلَق. خَلقَ الانسانَ من عَـلَق . إقرأ وربُّـكَ الاكرم. الذي عَـلّم بالقَـلَم. عَلّمَ الانسانَ مالم يَعـْـلَم..". وارتفعت مكانة أصحاب العلم في هذا المجتمع:" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ "،
" إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ".
هذه هي أهم خصائص المجتمع الاسلامي الوليد.. انه مجتمع موحَّد، ومتخلّق بالفضائل، ومتكافل، ومجاهد، ومفكر. وهذا هو الذي ينبغي أن نسعى إليه كي يتحقق هدف التقريب في الوحدة وفي السلام والوئام.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية