حديث التقريب.. إصفهان مظهر اجتماع التدين والتطور الحضاري
إن بلدان العالم الإسلامي مسؤولة بجامعاتها ومعاهدها العلمية وإعلامها أن تبرز الوجه الحضاري للدين، وأن تكشف النقاب عن تاريخ اندماج العلم والدين في التاريخ الاسلامي، وأن تبيّن أن التخلّف العلمي لدى المسلمين بدأ من يوم أن ضعف دور الدين في المجتمع.
اجتمعت اللجنة المكلّفة بتكريم شهداء اصفهان بالسيد الامام الخامنئي واستمعتْ من سماحته خطابًا عن ماضي مدينة اصفهان وحاضرها.
كان البارز في خطاب السيد أنه رأى في اصفهان حاضرًا وماضيًا المدينة التي جمعت بين جنبيها التيار الديني في أعلى مستوياته والتيار العلمي التقدمي الحضاري؛ وبالمناسبة فقد أُعلنت هذه المدينة العريقة من قِبل الايسيسكو قبل أعوام عاصمة الثقافة الاسلامية.
إنها تشكل النموذج الذي تبتغيه الحضارة الاسلامية بالجميع بين الالتزام الديني والتقدم الحضاري. فقد تخرج فيها من هو في الذروة على صعيد العلوم الاسلامية ومن هو في الذروة في علوم الرياضيات والفيزياء والفلك مثل الشيخ بهاء الدين المعروف بالشيخ البهائي.
وفيها الشباب الذين كان لهم الدور البارز في الدفاع عن الجمهورية الاسلامية أيام الحرب المفروضة على صعيد الميدان العسكري وهكذا على صعيد التصنيع الحربي؛ وهذا هو الاسلام .. أينما حلّ بمعناه الحضاري فإنه يرفع الانسان روحيًا وماديًا.. يسمو به في معارج الإنسانية، ويفجّر فيه طاقات الإبداع والابتكار.
لقد سجّل الدين المبين في عصوره المختلفة أروع صفحات دور الدين في التقدم الحضاري، سجّل ذلك في نيسابور واصفهان وشيراز وبغداد وحلب والاندلس وغيرها من حواضر العالم الإسلامي، فقد برز كثير من العلماء من جمع بين الدراسات الدينية والخبرات العلمية والفنية والطبية والهندسية، بل كانت معاهد الدراسات الدينية تجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا، بشكل يؤكد عدم انفصال السماء عن الأرض، وعدم انفصال ما نشاهده اليوم من انفصال الدراسات الدينية عن دراسات علوم الطب والطبيعيات والرياضيات و...
إن هذا الانفصال أدى إلى شيوع رؤية عدم إمكان اجتماع الجوّ الديني مع النشاط العلمي، وإلى شيوع رؤية انفصال أهل الدنيا عن أهل الآخرة، بينما يؤكد الدين المبين على أن الدنيا مزرعة الآخرة. والقرآن الكريم حين يتحدث عن العلماء الذين يخشون الله، يتحدث عنهم في سياق الحديث عن الطبيعة وما فيها من ماء وأرض وزروع وجبال وأحياء، ويطلب من الإنسان فتح عينيه على هذه المظاهر الطبيعية.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾.
إن العلماء المسلمين العظام في تاريخ البشرية استوعبوا هذا المفهوم فسخّروا حياتهم لخدمة الإنسان بروحه وجسمه وبيئته وصحته... وكل ما تتطلبه دنياه في إطار الايمان بالله والتمسك بتعاليم الدين الحنيف.
شباب العالم الاسلامي يتعرضون اليوم لقصف اعلامي مكثقف يستهدف التشكيك في دينهم، ويحاول أن يصوّر لهم أن الدين عائق على طريق التقدم الحضاري والعلمي، كما يحاول أن يستغل الخطاب الدين المتخلّف الذي يصدر عن جهلة أو مشبوهين ليؤكد هذا المفهوم.
إن بلدان العالم الإسلامي مسؤولة بجامعاتها ومعاهدها العلمية وإعلامها أن تبرز الوجه الحضاري للدين، وأن تكشف النقاب عن تاريخ اندماج العلم والدين في التاريخ الاسلامي، وأن تبيّن أن التخلّف العلمي لدى المسلمين بدأ من يوم أن ضعف دور الدين في المجتمع.
ففي التاريخ الإسلامي اقترن التقدم الديني بالتقدم العلمي وكذلك اقترن التخلّف الديني بالتخلّف العلمي. هذه حقيقة هامة تستدعي التعاون بين المهتمين بمستقبل العالم الإسلامي لرسم ما نرنو إليه من استنهاض الأمة لاقامة الحضارة الإسلامية الحديثة وهذا العمل يدخل في صميم (التقريب).. التقريب العلمي والحضاري.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية