( 43 ) يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ العمل بالسنّة تجاه القرآن الكريم وإن كان بزعم النسخ على خلاف ما أوصى به بعض الصحابة كعمر بن الخطاب حيث كتب إلى شريح بتقديم الكتاب ثم السنّة، وإليك نص كلامه: "ان اقض بما في كتاب اللّه، فإن لم يكن في كتاب اللّه، فبما في سنّة رسول اللّه، فإن لم يكن في سنّة رسول اللّه، فبما قضى به الصالحون" (1) فقد أمر بتقديم الحكم بالكتاب على كلّ ما سواه، فإن لم يوجد في الكتاب ووجد في السنّة لم يلتفت إلى غيرها، وكلامه وإن كان وارداً في مورد القضاء، لكن المورد غير مخصص، بل المراد أَنّ مكانة القرآن أعلى من أن يعادلها شيء ويقدم عليها. ثانياً: لو افترضنا صحّة نسخ الكتاب بالسنّة، فإنّما هو بالسنّة القطعية التي هي وحي في المعنى وإن لم يكن وحياً في اللفظ فانّها واجبة الاتباع كالقرآن الكريم: (وما أتاكُمُ الرسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (الحشر ـ 7). قال الغزالي: يجوز نسخ القرآن بالسنّة والسنّة بالقرآن، لاَنّ الكل من عند اللّه عزّ وجلّ، فما المانع منه، ولم يعتبر التجانس مع أنّ العقل لا يمليه (2) وكلامه هذا كما يعبر عنه قوله: لاَنّ الكل من عند اللّه عزّ وجلّ، انّما هو في السنّة القطعية التي لا غبار عليها، لا في مثل المقام الذي تضاربت فيه الروايات واختلفت الاَُمّة على قولين، ففي مثل ذلك تكون السنّة مظنونة الصدق محتملة الكذب على لسان رسول اللّه، فكيف يمكن أن تقدَّم على الدليل القطعي مثل القرآن الكريم؟! ____________ 1 . ابن القيم: أعلام الموقعين عن رب العالمين: 2|227. 2. الغزالي: المستصفى: 1|124.