ولذلكَ قال الحَجّاجُ لبَعْضِ مَنْ وَلاّهُ أَصْبَهَان : قد وَلَّيْتُكَ بَلْدَةً حَجَرُهَا الكُحْلُ وذُبَابُهَا النَّحْلُ وحَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ . قالُوا : ومن كَيْمُوسِ هَوَائِهَا وخاصّيَّتِه أَنْهُ يٌبْخِّلُ فَلا تَرَى بِهَا كَرِيماً وفي بَعْضِ الأَخْبَارِ أَنّ الدّجّالَ يَخْرُجُ من أَصْبَهَانَ . والصَّوَابُ أَنّهَا كَلِمَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ وهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الجَمَاهِيرُ وصَوَّبَه شَيْخُنا قالَ : فحِينَئذٍ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ في باب النُّونِ وفُصْل الهَمْزَةِ لأَنّها صارَتْ كَلِمَةً وَاحدَةً عَلَماً عَلَى مَوْضعٍ مُعَيَّنٍ حُرُوفُهَا كُلُّهَا أَصْلِيَّة ولا يُنْظَرُ إِلَى ما كَانَتْ مُفْرَداتُهَا وقَدْ تُكْسَرُ هَمْزَتُهَا قالَ السُّهَيْليُّ في الرَّوْضِ : هكَذَا قَيَّدَه البَكْرِيُّ في كِتَابهِ المُعْجَم . قلتُ : وتَبعَه ابنُ السَّمْعَانِيّ قال ياقُوت : والفَتْحُ أَصَحُّ . وأَكْثَرُ وقد تُبْدَلُ باؤُهَا فاءً فيُقَالُ : أَصْفَهانُ فِيهِمَا أَيْ في الكَسْرِ والفَتْحِ . قُلْتُ : وقد تُحْذَفُ الأَلِفُ أَيْضا فيَقُولُون : صَفَاهان كما هو جَارٍ الآنَ عَلَى ألَسْنِتَهِم قال شيخُنَا : إِنْ أُرِيدَ من الأَجْنَاد الفُرْسَانَ كَمَا مالَ إِلَيْه السُّهَيْلِيُّ وحَرَّرهُ فَهُوَ ظاهِرٌ وباؤُه حينَئذٍ خالصةٌ وإِلاَّ فَفِيه نَظَرٌ . قُلْتُ : الَّذِي قالَهُ السُّهَيْلِيُّ في الرَّوْضِ في ذِكْرِ حَدِيثِ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنه : كُنْتُ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَان ما نَصُّه : وأَصْبَه بالعَرَبِيّة فَرَسٌ وقِيلَ : هُو العَسْكَرِ فمَعْنَى الكَلِمَةِ : مَوْضِعُ العَسْكَرِ أَو الخضيْل أَو نَحْو هذا . انْتَهَى فلَيْسَ فيه ما يَدُّلُّ على أَنّه أَرادَ من الأَجْنَادِ الفُرْسَانَ ولا مَيْله إِلَيْه فتَأَمَّلْ . ثُمَّ قَولُ السُّهَيْلِيّ : مَوْضِعُ العَسْكَرِ أَو الخَيْل يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَى المَوْضِعِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بحَذْفِ مُضَافٍ ثم قَالَ شَيْخُنَا : وفي كَلام ابنِ أَبي شَرِيفٍ وجَمَاعَةٍ أَنَّهَا تُقَالُ بَيْنَ الباءِ والفَاءِ وقالَ جَمَاعَةٌ : إِنَّهَا تُقَالُ بالبَاءِ الفَارِسيَّةِ قال شَيْخُنَا : قُلْتُ : وهُوَ المُرَادُ بأَنَّهَا بَيْنَ الباءِ والفَاءِ . وتَعَقَّبُوه بنَاءً على مَا بَنَوْا عَلَيْه مِنْ أَنَّ المُرَادَ الفُرْسَانُ والأَسْبُ حينَئِذٍ هُوَ الخَيْلُ بالبَاءِ العَرَبِيَّةِ ولكِنْ بالسِّين ِلا الصّادِ ففِيهِ نَظَرٌ منْ هذَا الوَجْه فَتَأَمَّلْ : انْتَهَى . قُلْتُ : ما ذَكَرَه ابنُ أَبِي شَرِيفٍ : وقال جَمَاعَةٌ مع ما قَبْلَهُ قولٌ واحِدٌ كَمَا نَبَّه عَلَيْه شَيْخُنَا عَلَى الصَّوَابِ وأَمّا قَوْلُ شَيْخُنَا في التَّعْقُّبِ عَلَيْه : والأَسْبُ حينَذٍ إِلخ فَفِيه نَظَرٌ ؛ لأَنَّ الأَسْبَ اسْمٌ بمَعْنَى الفَرَسِ بالبَاءِ العَجَمِيَّة لا العَرَبِيَّةِ وتَعْبِيرُه بالخَيْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنّه اسْمُ جَمْعٍ ولَيْسَ كَذلِكَ وفي عِبَارَةِ السُّهَيْلِيّ : وأَصْبَه بالعَرَبِيَّةِ : الفَرَسُ كَما تَقَدَّم فظَهَرَ بذلكَ أَنَّهُ يُقَال أَيْضا بالصَادِ وكَأَنَّهُ عنْدَ التَّعْرِيبِ فتَأَمَّلْ . وأَصْلُهَا إِسْبَاهانْ جَمْعُ إِسْباه بالكَسْرِ وهَان عَلامَةُ الجَمْعِ عِنْدَهُم : أَي الأَجْنَادُ لأَنَّهُم كانُوا سُكّانَهَا وقال ابنُ دُرَيْدٍ : أَصْبَهَان اسْمٌ مُرَكَّبٌ ؛ لأَنَّ الأَصْبَ البَلَدُ بلسَانِ الفُرْس وهان اسمُ الفارِسِ فكَأَنَّهُ بِلادُ الفُرْسانِ وقَدْ رَدّ عَلَيْهِ ياقُوت فقَالَ : الصَّوَابُ أَنَّ الأَصْبَ بلُغَةِ الفُرْسِ هو الفَرَسُ وهان كَأَنَّهُ دَلِيلُ الجَمْعِ فمَعْنَاهُ الفُرْسَانُ والأَصْبَهيُّ : الفارِسُ . قُلْتُ : وهذا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْه ياقُوت هُوَ ما يُعْطِيهِ حَقُّ اللَّفْظِ وقَدْ أَصَابَ المَرْمَى وما أَخْطَأ أَوْ لأَنَّهُمْ كانُوا سُكّانَها أَي الأَجْنَاد فسُمِّيَتْ بهم بحَذْفِ مُضَافٍ أَي مَوْضِع الأَجْنَادِ كَمَا تَقَدَّم في قَوْلِ السُّهَيْلِيِّ . قُلْتُ : والمُرَادُ بتلْكَ الأَجْنَاد هيَ الَّتي خَرَجَتْ عَلَى الضَّحّاكِ وأَجابَتْهُم