تحقيق الوحدة الاسلامية من خلال تعميم التقريب وتعميق الصحوة
كلمة سماحة اية الله الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، التي تليت في "المؤتمر الدولي الخامس للتقريب بين المذاهب الاسلامية بـ لندن.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد النبي الامين وآله الطاهرين وصحبه الميامين وبعد،،،
فتحية لهذا المؤتمر المبارك الذي تحول الى مسيرة مباركة وتحية للعلامة الحجة الشيخ المعزي ورفاقه الأعزة.
ان الوحدة الإسلامية أطروحة شاملة ذات أبعاد مختلفة تعبّرعن هدف أيديولوجي مقدّس، إلاّ أن الملابسات التاريخية والاجتماعية الخاصة أضفت عليها نوعاً من التحديد فصارت عبارة يفهم منها البعد المذهبي والعلاقات المذهبية بين المسلمين خاصة، مع أنها في الأصل عبارة شاملة تستوعب مختلف مناحي الحياة الإسلامية: الثقافية والاجتماعية والسياسية التي لا تقل أهمية عن الجانب المذهبي.
فالوحدة السياسية على صعيد البناء الداخلي للدولة، وعلاقات المسلمين فيما بينهم، والوحدة الاجتماعية على صعيد العلاقات الوطنية، والوحدة الثقافية على صعيد الفكر وأبعاده المختلفة في الحياة الجديدة، ضرورات أساسية لا يمكن التحدث عن الوحدة الإسلامية دون الاستجابة لها وتنفيذ متطلباتها. الأمر الذي يحتم تطوير آفاق البحث في الوحدة الإسلامية، وإشراك خبراء السياسة والاجتماع والثقافة فيه، فضلاً عن خبراء المذاهب.
وعلى هذا الأساس فإن ضرورات الوحدة الإسلامية باتت تتصدّر أولويات هموم المسلمين وتفرض نفسها أساساً لإعادة نبأهم الذي صدّعته الخلافات الفكرية والعقدية، وما أفرزته من اجتهادات متباينة.
إلاّ أن الوحدة باعتبارها مشروعاً، لا يمكن أن تتحقق مصداقيتها على أرض الواقع ما لم تتوافر على آلية متقنة وأدوات فاعلة.
فالقرآن الكريم يشير إلى الوحدة الحقيقية، معرضاً عن كل أنماط الوحدة الزائفة من قبيل:
- الوحدة على أساس المصالح السياسية
- الوحدة على أساس العروق القومية
- الوحدة على أساس التعصب القبلي
- الوحدة على أساس العامل الجغرافي
- والوحدة على أساس التاريخ المشترك
إلى غير ذلك من أنواع الوحدة في هذا السياق.
القرآن الكريم لا يرى في أي من هذه الأشكال عاملاً حاسماً للنصر، وفي المقابل يؤكد على «وحدة القلوب» تلك الوحدة التي لو أنفق ما في الأرض على تحققها بالعوامل المادية لما تحققت.
فما هي أسس وحدة القلوب هذه يا تُرى؟
إن لها باختصار أساسين:
۱- العقيدة الحية الواقعية.
۲- العاطفة القائمة على أساس عقائدي.
فلا العقيدة لوحدها بقادرة على تجميع القلوب وتآلفها مهما كانت واقعية قوية، ولا العاطفة لوحدها بقادرة على ذلك. ولو أمكن تحقيق ذلك لنجحنا على المدى الطويل في شراء الأفراد بعضهم إلى البعض الآخر، ودفع الأمة للسير الحثيث نحو ا لكمال.
أما المؤثر الحقيقي فهو الإيمان الواعي النافذ إلى الأحاسيس، والمالئ للوجود، والمرتبط بالله الحقيقية الكبرى في الوجود (ألم يأن للذينَ آمنُوا أن تَخْشَع قُلُوبُهُم لذكرِ اللهِ وما نَزَلَ من الحقّ ولا يكونُوا كالّذينَ أُوتُوا الكتابَ من قَبلُ فَطالَ عَلَيهُم الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُم وكثيرٌ مِنهُم فاسِقُون) .
المؤمنة على شدّ القلوب، ويرفَدها توفيق الله ومددُه فلن تنفصم هذه الوحدة وهي بالتالي تصنع الأعاجيب والمعاجز كما صنعتها في عصر صدر الإسلام، وهي تصنعها في عصر عودة الإسلام من جديد في إيران الإسلام وسائر البلدان الإسلامية بفضل الصحوة الإسلامية المنبثقة من عمق عقيدة وأفكار أبنائها المؤمنين القائمة على الكتاب الكريم والسنّة النبويّة الشريفة، وما أروع هذه المنطلقات إذا استوعبتها الأمة وإذا صمّمت على تحويل الإيمان بها إلى واقع قائم، وبالتالي لتكوين اللقاء الموحد في مختلف المجالات.
إننا في إيران الإسلام نعتقد بكل وضوح أن سبيلنا الحقيقي هو سبيل الوحدة والتقريب، ولذا فلن نتهاون في الدعوة إليها والاستجابة لنداء روادها لتحقيقها، وكلّما زاد أوار الحملة ضدنا فلن يزيدنا ذلك إلاّ إصراراً على التقدم، وصبراً على مضض الألم، وإيماناً بالنصر المؤكد.
فليعمل المفكرون والعلماء المسؤولون، والواعون المتألمون لقضايا أمتهم، العاملون على دفع مسيرتها إلى الأمام على تحقيق الوحدة والتقريب عبر تعميق الأسس المشتركة للثقافة الإسلامية وتوضيح ما ينبثق منهما وتركيزه في نفوس المسلمين وذلك تقوية لوحدة المواقف العملية وهو ما نستهدفه في هذا الاجتماع المبارك.
وعن التقريب والتفاهم
فيتبيّن لنا بعد هذا التطواف السريع أن التفاهم أمر يدعو إليه القرآن الكريم وينظّمه لا بين المتدينين فحسب، بل بين بني البشر عموماً، إلاّ أولئك الذين انتهجوا منهج العناد والظلم. وهذا الأمر يتركز أكثر عندما ندخل إلى الساحة الإسلامية: ساحة الأخوّة والوحدة، والتسامح والقبول بأصول الإسلام واستيعاب اختلافات الاجتهادات. نعم، ندخل الساحة الإسلامية التي يخاطبها القرآن الكريم بخطاب واحد (يا أيها الذين آمنوا) والتي تستقي معالم دينها من منبع واحد رغم اختلاف الطرق أحياناً. هذه الساحة ذات الشعار الواحد، والاتجاه الواحد. فإن التفاهم حينئذٍ يعود من البديهيات الإسلامية التي لا تحتاج إلى استدلال وبرهان.
ولعلّ من سبل الوحدة الإسلامية «عملية التقريب» بين الأفكار والاتجاهات والمذاهب المختلفة، إذ بدون ذلك تزداد الهوة وتتسع الفرقة، حيث تجد الأمة بعد ذلك نفسها ممزقة متهاوية متنازعة، فقدت تمسّكها واستواءها وراحت في مهب الريح العاتية. وليس التقريب عملية قسرية ولا مصطنعة، ولا حركة سياسية يراد بها ستر جانب من الضعف والنقص لكي تتم عملية تمويه على الطرف الآخر، بل هي عملية أصيلة تقتضيها أمور واقعية، من أهمها:
۱- إن الخلاف الفكري والاستنباطي أمر متوقع تماماً، خصوصاً عندما يُراد استنباط الحامل للحياة من نصوص وتقريرات ونماذج عليا، الأمر ال ذي يقع فيه اختلاف في الاستنتاج بشكل طبيعي.
۲- إن فتح باب الاجتهاد أمر طبيعي وضروري لتحقيق المرونة التشريعية والمسايرة الإسلامية لتطوّرات الحياة، الأمر الذي يؤدّي إلى اختلافات كثيرة في الاجتهاد وهي اختلافات قبلها الإسلام بمقتضى واقعيته. أما النصوص الناهية عن مثل ذلك فلا تنصب على الاختلاف الفكري على النزاع العملي (ولا تَنازَعُوا فَتَفشَلُوا وتذهَب ريحُكُم).
۳- إن الاختلاف الاجتهادي، إنما سمح له إنطلاقاً من واقع الفكر الإنساني القاصر من جهة، وتحقيقاً لعملية الإثراء العملي من جهة أخرى، وهذا يعني أنه يجب أن يسير باتجاه مصلحة الأمة وتراثها التشريعي، القانوني والتنظيمي، لا باتجاه تمزيقها وإضاعة شخصيتها المتميزة، ولا يتم ضمان السير الطبيعي إلاّ إذا نُفيت كل العناصر التحريفية للمسيرة والتي تعمل على تحويل وجهتها الطبيعية إلى اتجاه تخريبي ممزَّق، هذه العناصر كثيرة:
منها: الأهواء السياسية التي تسخر بعض الفقهاء لصالح الحكام، ليحققوا بعض الأهداف الضيقة.
ومنها: جهل طرف من الأطراف بمبادئ ومباني الطرف الآخر وحدود فتاواهم.
ومنها: عملية الخروج عن مقتضيات الخلاف الفكري إلى مساحات عملية لا علاقة لها، نتيجة عملية تجريد للأمر عن ظروفه، وتحويله إلى عامل نزاع عقائدي وغير ذلك.
وعليه فالتقريب عملية تفاهم وتقارب؛ ونفي لكل العناصر التحريفية ووضع للمسيرة على الخط الطبيعي المثري لا غير، وأنه يعني المراحل التالية:
۱- البحث عن المساحة المشتركة.
۲- العمل على توسيع هذه المساحة عبر الحوار المنطقي.
۳- التعاون على تطبيق هذه المساحة على الواقع.
۴- أن يَغدر البعض الآخر في المساحة المختلف فيها.
ومجمل القول حسب وجهة نظر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية على ما ورد في إستراتيجيته.
فإن الوحدة الإسلامية عبارة عن: التعاون بين أتباع المذاهب الإسلامية على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة، واتخاذ موقف موحّد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأمة الإسلامية، والموقف الموحد تجاه أعدائها مع احترام التزامات كل مسلم تجاه مذهبه عقيدة وعملاً.
والتقريب، يعني: التقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية بغية تعرف بعضهم على البعض الآخر عن طريق تحقيق التآلف والأخوّة الدينية على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة.
علماً بأن مسيرة التقريب المباركة تقوم على مبادئ عامة، من أهمها ما يلي:
۱- إن الكتاب الكريم والسنّة النبوية الشريفة هما المصدران الأساسيان للشريعة، والمذاهب الإسلامية كلها تشترك في هذين المصدرين، وحجية المصادر الأخرى رهن بكونها مستمدة منهما.
۲- يعد الإيمان بالأصول والأركان التالية ضابطاً للصبغة الإسلامية؛
ألف- الإيمان بوحدانية الله تعالى (التوحيد).
ب- الإيمان بنبوّة وخاتمية الرسول الأكرم سيّدنا محمد (ص) وأن سنته تمثل أحد مصدري الدين الرئيسين.
ج- الإيمان بالقرآن الكريم ومفاهيمه وأحكامه باعتباره المصدر الأول لدين الإسلام.
د- الإيمان بالمعاد.
هـ- عدم إنكار ضرورات الدين والتسليم بأركان الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد و...
۳- شرعية الاجتهاد وحريّة البحث، لقد اعترف الإسلام الحنيف بالاختلافات الفكرية عبر اعترافه بشرعية الاجتهاد في إطار المصادر الإسلامية الرئيسة، ولذا على المسلمين أن يعتبروا الاختلاف في الاجتهادات أمراً طبيعياً ويحترموا الرأي الآخر.
۴- إن الوحدة الإسلامية هي خاصية قرآنية للأمة الإسلامية، وهي مبدأ يمتلك أهمية كبرى فيقدم في موارد التزاحم على غيره من الأحكام التي تقل عنه أهمية.
۵- إن مبدأ الأخوّة الإسلامية يشكل أساساً عاماً لتوعية التعامل بين المسلمين. فعلى هذا الأساس تتلخص رسالة المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الذي يضم بين صفوفه العشرات من علماء المذاهب الإسلامية من مختلف دول العالم، النهوض بمستوى التعارف والوعي، وتعميق التفاهم بين أتباع المذاهب الإسلامية، وتعزيز الاحترام المتبادل وتوطيد أواصر الأخوّة الإسلامية بين المسلمين مع تجنب التمييز بشأن انتماءاتهم المذهبية أو القومية أو الوطنية بغير تحقيق الأمة الإسلامية الواحدة والخط التقريبي الذي وضع لبناته الأولى علماء وشخصيات كبيرة في أواخر الأربعينات من القرن الميلادي الماضي وجاهدوا حقاً في تبيين معالمها، وكتبوا العديد من الكتب والمقالات لترسيخها في النفوس بعد أن أصلوها بيّنوا جذورها الشرعية وضرورتها المتنامية.
ونحن في مجمع التقريب سعداء حقاً إذ نجد هذه البذرة قد نمت وتحوّلت إلى شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها. كما شهدت حركة التقريب تقدّماً واسعاً وقبولاً عاماً في الأوساط والمراكز الدينية والعلمية في عالمنا الإسلامي. وأروع مثال على ذلك قيام أكبر مجمع فقهي هو مجمع الفقه الإسلامي عبرة بإيجاد شعبة متخصصة باسم «شعبة التقريب بين المذاهب الإسلامية» وحصول روح توافقية عامة حرّة في اجتماعاته العامة، مما يكشف عن وحدة المنابع والرؤى وانفتاح للعالم الإسلامي على بعضه البعض.
وقد أسس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية «المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية» يضم في مجلسه الأعلى علماء من المذاهب الإسلامية المتنوّعة من مختلف البلدان.
هذا وقد اعتمدت المنظمة العالمية الإسلامية للتربية والعلوم (الأيسيسكو) التقريب هدفاً بتشكيل «المجلس الاستشاري الأعلى للتقريب بين المذاهب الإسلامية» وعقدت له مؤتمرات بفضل مساعي مديرها العام معالي الدكتور التويجري في شتى أنحاء العالم. كما عُقدت المراكز العلمية – الدينية في البلدان الإسلامية كالمغرب ومصر والجزائر والأردن وسوريا ولبنان وباكستان والسودان وماليزيا وأندونيسيا وإيران وغيرها، الندوات والمؤتمرات العالمية لتركيز هذه الحقيقة القائمة على العقلانية المطلوبة.
أما عن المبادئ والقيم التي ينبغي الالتزام بها:
فالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية يتمسك وفق استراتييجة في منهجه الاصلاحي وتنفيذ برامجه بالمبادئ والقيم التالية:
۱- ضرورة التعاون الكامل في الموارد التي يتفق المسلمون عليها. فالمتفق عليه في مختلف المجالات كثير جداً، وللمذاهب الاسلامية مساحات مشتركة كثيرة سواء كانت في الأصول العقائدية أو المجالات التشريعية والتي يصل بها بعض العلماء الى أكثر من ۹۰% من المساحة العامة.
۲- ضرورة اتخاذ موقف موحد في مواجهة أعداء الاسلام
۳- تجنب تكفير وتفسيق المسلمين الآخرين ورميهم بتهمة البدعة، والتحلي بروح القرآن التي تدعو الى الموضوعية حتى في النقاش مع الكتاب إذ يخاطب الرسول(ص) ان يقول لهم: وإنا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. لذا ينبغي الهبوط بمرتبة الاختلافات من الكفر والايمان الى مرتبة الخطأ والصواب. كما لا ينبغي لأحد أن يكفر الآخر بسبب لوازم حديثه أو رأيه التي تقود حسب رأينا إلى إنكار أصول الدين، فقد يكون غير ملتزم بهذه اللوازم.
۴- حرية اختيار المذهب، إن مبدأ حرية اختيار المذهب مبدأ عام في العلاقات الفردية ، فكل شخص حر في اختيار مذهبه الإسلامي إذا تحت الحجة لديه على ذلك ولا ينبغي للمنظمات والحكومات أن تفرض على أحد مذهباً دون غيره، بل عليها أن تعترف بالمذاهب الإسلامية جميعاً. لا يشجع التبشير المنظم بمذهب إسلامي في أوساط مذهب آخر استغلالاً لحاجة بعض المسلمين أو أوضاعهم الاجتماعية أو السياسية. وهنا نؤكد أن لكل مذهب الحق في توضيح آرائه ودعمها دونما تعدّ على الآخرين أو تهويل أو تجريح، فلا ندعو إلى إغلاق باب البحث المنطقي السليم في العقيدة أو الفقه أو التاريخ ، وإنما نرفض محاولات الاستغلال السيء والاستضعاف والجدال العقيم وفرض الرأي وأمثال ذلك. ونعتقد إن ما جرى من تعد خلال تاريخنا الطويل ناشئ من عدم الالتزام بقواعد الحوار المطلوبة، ونسيان حقيقة أن جميع المذاهب تعمل لأعلاء «كلمة الإسلام» وفق تصورها عن هذه الكلمة.
۵- حرية العمل بالأحكام الشخصية، فإن أتباع المذاهب الإسلامية يتبع كل منهم لأحكام المتعلقة بمذهبه، سوى ما كان مرتبطاً بالنظام العام، حيث تكون كلمة الفصلي للقوانين المنصوص عليها في بلادهم التي تديرها الحكومة الشرعية.
۶- التعامل باحترام عند الحوار، فقد دعا القرآن الكريم استناداً للآية المباركة: فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ. المسلمين الى اعتماد مبدأ الحوار السلمي مع الكفار وأهل الكتاب بعيداً عن التهويل والضوضاء وذلك من أجل بلوغ الحقيقة، فمن باب أولى يفترض على المسلمين أن يتم حل اختلافاتهم عن طريق الحوار السلمي ومراعاة آدابه.
۷- تجنب الإساءة لمقدسات الآخرين والتعذير عند الاتخلاف.
الحقيقة إن هذا الأمر يتبع المبدأ السابق أي التعامل باحتراف عند الحوار، بل هو في الواقع أولى منه، لأنه يخلق جواً عاطفياً معاكساً، ويفقد الحوار توازنه المطلوب. وقد نهى القرآ، عن هذه الحالة فيقول تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ.
بهذه الروح الإنسانية يواجه الله تعالى المؤمنين في تعاملهم بعد أن يوضح لهم وظائفهم الدعوية لا التحميلية وفرض الرأي على الآخرين حتى لو كانوا مشركين وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل. والنصوص الاسلامية في النهي عن السب واللعن معروفة. فإذا كان هذا هو الحال مع المشركين، فكيف يكون الأمر في الحوار بين مسلمين أخرين يعملان لهدف واحد، ويشعر كل منهما بآلام الآخر وآماله ، فإن الموقف لا يتحمل مطلقاً احتمال الاهانة، وخصوصاً للأمور التي يؤمن الآخر بقدسيتها لارتباطها بمعتقداته الأصلية. فحينما يوصي الإسلام نبوع من التحمل الديني في علاقاته مع باقي الأديان ويطلب من المسلمين أن لا يسيئو للمقدسات الفكرية والعقائدية الباطلة للآخرين، فإن من الأولى أن يؤكد في إطار العلاقات بين المسلمين على مبدأ تجنب الاساءة لمقدمات أتباع المذاهب الإسلامية وأن يعذر بعضهم البعض الآخر فيما يختلفون فيه. واستناداً لماذكر وانطلاقاً من المسؤولية الشرعية أصدر قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام الخامنئي «حفظه الله ورعاه» فتوى حرّم بموجبها الإساءة لزوج الرسول الأكرم(ص) أم المؤمنين السيدة عائشة(رض) أو النيل من رموز إخواننا السنة فضلاً عن اتهام زوج النبي(ص) بما يخل بشرفها، بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء وخصوصاً سيدهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ».
هذا هو الموقف الشرعي الواضح والصريح للمرجع الديني وقائد الثورة الإسلامية الإيرانية تجاه أمهات المؤمنين ورموز إخواننا السنة، حيث نال استحسان كبار علماء الأمة والشخصيات الفكرية والاجتماعية وكان له الصدى الايجابي الواسع في عالمنا الإسلامي.
۸- اقتداء الأتباع بسلوك أئمة المذاهب الإسلامية بعضهم مع بعض وتوسيع نطاق العمل به بين أتباع المذاهب اليوم. فلو أردنا استعراض بعض أنماط التعامل بين الأئمة والعلماء (رض) في العصور السالفة لطال بنا الحديث. واقتصر على ضرورة التعامل بالروح التسامحية، وتجاوز الخلافات الفرعية في العقيدة، والتقييم التاريخي والفقهي الى الموقف المبدئي والتحاب، ووحدة الموقف، والتعالي الى المستويات المصلحية العليا، وبالتالي لزوم اهتمام المسلمين ـ سنة وشيعة ـ بالجانب العملي للتقريب وتجسيد هذه القيم في حياتهم والسعي الشامل لتطبيق الشريعة الإسلامية في كل مناحي الحياة.
في ختام كلمتي لابد من الحديث عن الصحوة الإسلامية باعتبارها الجو الطبيعي للوحدة وهنا أقول باختصار:
لقد عمل المشروع الاستكباري منذ ثلاثة قرون ـ على الأقل ـ على أن يركّز أقدامه في كل الأرض الإسلامية رويداً رويداً، ثم تسارعت خطواته حتى احتل مُجمل الأرض الإسلامية في النصف الأول من القرن العشرين. وكانا هذا المشروع يركز ـ أهم ما يركز ـ على تمزيق العالم الإسلامي، وعلى إبقائه متخلفاً على كل الصعد، ثم على إشاعة العلمانية القاتلة وإبعاد الأمة عن الإسلام ومفاهيمه المحيية.
ومضى نصف قرن، فإذا بالصحوة الإسلامية تلقف ما يأفكون وتنتصر الثورة الإسلامية في إيران ويغرق الاستكبار في ذهوله، ثم يصحو ليحاصر هذه الثورة ويثير حولها الشبهات لتبتعد عنها الجماهير وربّما نجح ولكن سرعان ما اكتشف أن اللهب المقدس قد سرى، وأن الشعوب قد ثارت بوجه المستبدين العملاء فأسقطتهم واحداً تلو الآخر، وهاجمت كل المواقع الاستكبارية بكل قوة. ومازال هذا اللهب مستمراً ليحقق كل أهدافه بحول الله وقوته ـ ان شاء الله تعالى ـ وإن الصبح لناظره لقريب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته