الدكتور شهرياري :
العالم يشهد حلول نظام جديد على أثر المقاومة أمام ظلم المستكبرين
اكد الاامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية "حجة الاسلام الدكتور حميد شهرياري"، بان "العالم يشهد حلول نظام جديد على أثر المقاومة أمام ظلم المستكبرين، وقد تَرَكَ ذلك تأثيرَه ليس على داخل العالم الإسلامي فحسب، وانما على جميع المنادين بالعدالة في أرجاء العالم، بل حتى في داخل البلدان الغربية".
وافادت "تنا"، ان الدكتور شهرياري، قال ذلك في كلمة له امام المؤتمر الدولي الذي حمل عنوان "نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب وتنمية آمنة"، عقد صباح اليوم الخميس بمدينة قازان -مركز جمهورية تتارستان الروسية، وفي اطار أعمال منتدى قازان الدولي لـ "مجموعة الرؤية الاستراتيجية".
وفيما يلي نص كلمة الدكتور شهرياري، خلال هذا المؤتمر :
بِسْمِ اللهِ الرحمن الرحیم و الحمد لله رب العالمین و صلی الله علی محمد و آله الطاهرین وصحبه المنتجبین
فخامة الرئیس، اصحاب السماحة و المعالی و السعادة، ایها الحضور الکرام /
السلام علیکم و رحمة الله و برکاته
بداية لابدّ أن أتقدم بالشكر لفخامة رئیس جمهورية تتارستان السید رستم مینیخانوف، ومجموعة رؤیا الاستراتیجیة (روسیا-العالم الاسلامی) ولنائب رئیس المجموعة فضيلة الدکتور فاریت مخامیتشین، ولقائمين على أمر هذا المؤتمر الذي ضمّ جمعًا من العلماء لدراسة «نظام عالمي متعدد الأقطاب عادل وتنمية آمنة»، ولكي ننتهز فرص التعاون بين الدول الإسلامية و روسيا الاتحادية وسط الوضع السياسي العالمي المتغير بسرعة و لدراسة قضايا العالم الإسلامي، ومناقشة الفرص والتحديات المعاصرة للعالم کله.
العالم الإسلامي شَهِدَ خلال الأشهر الماضية تحوّلات واسعة وعميقة أُشير إلى أهمها باختصار:
1. نتيجة فرض إرادة الاستكبار العالمي لتحقيق المصالح غير المشروعة لأمريكا وحلفائها، يشهد العالم اليوم إبادة جماعية في غزة، وحرباً في أوكرانيا. وتبين هاتان المشكلتان أن الغطرسة العالمية التي يقودها حلفُ شمال الأطلسي تستخدم أي وسيلة لتحقيق أهدافها، وبهذه الطريقة تصبح حياة الأبرياء غير مهمة بالنسبة لها. لقد حرضوا على العديد من الحروب لتحقيق مصالحهم في أوروبا وغرب آسيا. ومن خلال إشعال النار في أوكرانيا، منعوا مرورَ الغاز الروسي إلى أوروبا، و یسعون إلى تحقيق مصالحهم في غرب آسيا من خلال إنشاء دولة إسرائيل المزيفة. و الواقع انّه من خلال السيطرة على موارد الطاقة في الشرق الأوسط، فإنهم ما زالوا يحاولون تحقيق مصالحهم في المنطقة، التي صمموها بعد الحرب العالمية الثانية. لقد ارادوا استیلائهم على نفط وغاز المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي الوقت نفسه، يمكن لدول المنطقة ضمان أمن المنطقة من خلال التعاون مع بعضها البعض ولهذا السبب نؤکد ان النظام العالمی الجدید یجب ان یکون عادلاً غیر ظالم.
2. نتيجةً لمقاومة المطالبين بالعدالة في العالم الإسلامي وفي روسيا ضد ظلم المستكبرين، يشهد العالم قيام نظام جديد. وفي هذا النظام الجديد، اتحد الباحثون عن العدالة في العالم معًا، يطالبون بالعدالة ويُدينون القتلَ الجماعي للأبرياء والحرب. هذه هي الصحوة الإنسانية لشعوب العالم المضطهدة التي تتبع القيمَ الإنسانية وقد سئمت من رأسماليي العالم القُساة الذين لا يُشَكلّون سوى واحد بالمائة من سكان العالم.
3. العالم يشهد حلول نظام جديد على أثر المقاومة أمام ظلم المستكبرين، وتَرَكَ ذلك تأثيرَه ليس على داخل العالم الإسلامي فحسب، وانما على جميع المنادين بالعدالة في أرجاء العالم، بل حتى في داخل البلدان الغربية. نحن اليوم نشهد طليعة حضارة حديثة، فيها الثقة بالوعد الإلهي إلى جانب الاستقلال والثقة بالنفس وكل ذلك يُبَشّر بعالمِ سيادةِ العدالةِ في التعامل الدولي. الدين الإسلاميُ الحنيف بحمایة من المستضعفین فی کل العالم قد أثبت في تاريخه بأنه يمتلك القدرة على أن يَحمي في كَنَفه المستضعفين بأجمعهم وأن يوحّد صفوفهم ليقاوموا أمام ظلم الفرعونيين والقارونيين وليحققوا نصرهم.
4. عمليات «طوفان الأقصی» التي جاءت نتيجة سنوات من الظلم والحَصار والقتل بحق شعب غزّة المظلوم إلى جانب سكوت المجامع الدولية والمؤسسات المدنية، وعدم اتخاذ خطوة عملية للخروج من هذه الحالة الـمُزرية. هذه العمليات جرت بموجب قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ...، إن هذه العمليات هی الردّ الطبيعي والحاسِم والمشروع أمام الاحتلال والممارسات العنصرية والعدوانية للنظام الصهيوني ولم يكن لها أبدًا عامل خارجي وتمّت على يد المجاهدين الفلسطينيين تخطيطاً وتنفيذًا وأظهرت الضعف الاستخباراتي للنظام الصهيوني وكَسَرَت أكثر من ذي قبل أُبّهةَ هذا النظام المتغطرس.
5. شعب غزة المظلوم قاوم لأكثر من سبعة أشهر أمام الهجوم الوحشي الصهيوني، وأسفر ذلك خلال هذه المدة عن أكثر من أربعين ألف إنسان بين قتيل ومفقود وما يقرب من ثمانين ألف من النساء والأطفال والشباب قد أصيبوا بجروح وعن تشريد مليوني إنسان قد قُصِفت مساكنهم.
6. حماة الكيان الصهيوني وعلى رأسهم أمريكا وبعض البلدان الغربية قد عبأوا طاقاتَهُم لدعم هذا النظام الغاصب وللحيلولة دون انهياره بالمال والسلاح. إنهم يرون في بقاء هذا الكيان بالمنطقة ضمانًا لاستمرار تحقيق مصالحهم و منافعهم فيها. لقد بات مكشوفًا ماكان خافيًا، وانكشفت أكثر من ذي قبل أطماع نظام الاستكبار العالمي، وتبين زيف ما يرفعه من شعارات الحرية والدفاع عن حقوق الإنسان. دعمهم لمرتكبي الابادة الجماعية في غزة كشف عما يسيطر على حكام هذه البلدان من نفاق، والعالم سوف لا يسكت مقابل ادعاءاتهم الكاذبة.
7. الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد أقدمت على تنفيذ عملية «الوعد الصادق» مقابل مغامرة العدو الصهيوني الغاصب في عدوانه على القنصلية الإيرانية بسوريا، بعد أن قدمت شكوى إلى مجلس الأمن وبعد أن لم يتخذ المجلس أي موقف عملي، فنفذت العملية استنادًا إلى المواد المعینة من معاهدة فینّا وبذلك لقنت العدوَّ الصهيوني درسًا فيما يرتقبه من عواقب إذا أقدم على مثل هذه المغامرات. وكانت العملية مجرّد تَبَيُّنِ استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية للدفاع مقابل صلف النظام الصهيوني.
وفي الخاتمة من أجل الخروج من المشاكل المتفاقمة على الساحة العالمية و لدراسة «نظام عالمي متعدد الأقطاب عادل وتنمية آمنة أقترح:
1. إن أعداء العدالة سوف لا يكفّوا عن عدوانهم، والسبيل الوحيد للوقوف بوجه أطماعهم هو تحقيق التعاون و التضامن ضدّ الظلم باتفاق من البلدان الاسلامی و روسیا و چینا. و العلماء و الجامعیون فی هذه البلاد يستطيعون أكثر من غيرهم في تحقيق هذا الاتحاد و التضامن، لذلك أَطلُبُ منهم أن يبذلوا أقصى جهودهم ليقفوا صفا واحدًا أمام عدوهم الأصلي الذي كشف عن وجهه الكالح القذر. الذی یستعمل معاییر مزدوج فی مواجهته للازمات العالمیة خصوصاً فی الابادة الجماعیة التی اتفقت فی غزة.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية يعلن عن استعداده لأداء دور بَنّاء في مجال تحقيق اقامة نظام عالمی جدید فیه التعددیة و ادانة الأحادیة و التفرد.
2. السبيل الوحيد لاحلال السلام والأمن في العالم إنما هو بإنهاء الغطرسة الاستعماري وإنهاء ممارساتها الظالمة بحق الشعوب المظلومة و خاصة الشعب الفلسطيني ونيله حقوقه الحقة وخاصة حق تقرير المصير والاستقلال. و هذا هو السبیل الوحید لتحقیق التنمیة الآمنة.
3. دعم الشعوب المظلومة و خاصة الشعب الفلسطيني يبقى هو الأولوية المشتركة للعالم کله من أجل تحقيق الوحدة للمستضعفین فی ارجاء العالم. الحراك المظلومین للدفاع عن حقوقهم الإنسانية بحاجة إلى دعم شامل من قِبل العالم کله، لا على مستوى القول بل أن يتجلّى ذلك عمليًا، ولكن مسؤولية البلدان الجارة أثقل طبعًا.
4. فَلیَحذَر الذين یرکنون الی العدوّ المستکبر الظالم و نقول لهم إن الركون إلى هذا العدوّ لا يعود بالنفع علیهم ، وهذا ما أثبته التاريخ منذ القرون الاخیرة. انه نظام نفعی عنصري يرتكب أي قسوة لتحقيق مصالحه؛ متى ما واتَته الفرصة سوف يُطعنكم من الخلف. فهو لا يلتزم بأي عهد ويتابع بـإصرار عمليات التدمير وإثارة النزاع في العالم کله. إنه الآن في أضعف مراحل حياته، والنصر المبين قريب بإذن الله ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ.د. حميد شهرياري/
الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية