التسخيري يؤكد اهمية دور العلماء في عملية التقريب
ابتدات امس الاثنين اعمال الملتقى الدولي لعلماء المسلمين التابع للمؤتمر الاسلامي والتي ستستمر الى يوم الاربعاء 8-6-2011 م، بهدف دراسة آراء العلماء و مسؤولياتهم تجاه التطورات والاحداث التي تشهدها دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الاونة الاخيرة والسبل الكفيلة بتطور الوضع الراهن في الدول الافريقية.
وشارك في هذا الملتقى سماحة آية الله الشيخ محمد علي التسخيري الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية على رأس وفد علمائية، الى جانب جمع غفير من كبار العلماء والنخب الاسلامية من ٦٠ دولة.
وافتتح الرئيس السنغالي عبد الله واد اعمال الملتقى بكلمته التي تناول فيها آخر الاحداث والتطورات التي تمر بها المنطقة وخاصة العالم الاسلامي ومسؤولية علماء الامة تجاه هذه الاحداث، مشيرا الى ان ذلك يتطلب عملا جادا (من علماء الامة) لتنوير عقول الاجيال والمجتمعات بحقيقة الاسلام وقيمه والتاكيد على ضرورة التكاتف بين المسلمين ووأد الخلافات المثيرة للفتن والتشتت.
وبالمناسبة قدم سماحة اية الله التسخيري ورقة تحت عنوان "التقريب اسسه وقيمه ودور العلماء فيه".
وفي مستهل كلمته اشار التسخيري الى نشأة الحركة التقريبية في العالم الاسلامي وقال " إن ما اطلق عليه اسم (حركة التقريب) في العقود الاخيرة يمتلك جذورا تمتد الى اقدم العصور الاسلامية لأنها تستمد اصالتها وحيويتها من اصول الشريعة الغراء، وتتوضح ضرورتها كلما اتسع نطاق مسؤولية هذه الامة في صنع الحضارة الانسانية او الاسهام الفاعل فيها على الاقل".
كما تطرق سماحته الى الاسس الرئيسية التي يجب ان تلاحظ في الخطاب التقريبي قائلا، "اننا نعتقد ان الايمان بمسألة [التقريب] يتأتى بكل منطقية اذا لاحظنا الاسس التالية التي تؤمن بها كل المذاهب الاسلامية دون استثناء وهي:
اولا: الايمان باصول الاسلام العقائدية الكبرى وهي: التوحيد الالهي (في الذات والصفات والفعل والعبادة) وبالنبوة الخاتمة لرسول الله(ص) والقرآن الكريم الذي جاء به ومافيه، والمعاد يوم القيامة.
ثانياً: الالتزام الكامل بكل ضروريات الاسلام واركانه من الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها.
رابعاً: الالتزام بأن الاسلام سمح لعملية الاجتهاد ...ان تكون هي الموصلة لمعرفة الاسلام. كما انها تلعب دورها في تأكيد مرونة الشريعة وقدرتها على استيعاب التطورات الحياتية...
خامساً: ان مبدأ (الوحدة الاسلامية) يعبر عن خصيصة مهمة من خصائص هذه الامة المباركة، وبدونها لا يمكن لها ان تدعي اكتمال هويتها. وقد وضع الاسلام خطة متكاملة لتحقيق هذه الوحدة بانياً لها على اساس الاعتصام بحبل الله المتين".
واردف سماحته قائلا: ... ومن هنا فنحن نعتقد ان التقريب لا يقتصر على الجوانب الاخلاقية او الجوانب الشعارية، ولا يتحدد بالجوانب التشريعية ايضا بل يعبرها الى مختلف الجوانب الفكرية والحضارية.
وينبغي ان تشترك فيه كل النخبة المفكرة الفقهية والفكرية بل يجب بشكل كامل وربما بشكل اولى ان تعبر النخبة الى الجماهير فيبدأ تثقيفها بثقافة التقريب لأن الاسلام ان كان يسمح بالاختلاف الفكري غير المخرب والطبيعي فانه لا يسمح مطلقا بأدنى خلاف في الموقف العملي من القضايا المصيرية الداخلية والخارجية.
وفي جانب آخر من كلمته اشار الامين العام للمجمع العالمي للتقريب الى "المبادئ والقيم التي ينبغي ان يلتزم بها التقريبيون" واصفا اياها "خطوطا عامة للسياسات التي ينبغي ان يراعيها الخط التقريبي ليحقق اهدافه المرجوة"، والتي هي عبارة عن:
الاول: التعاون في ما اتفقنا عليه؛ والمتفق عليه في مختلف المجالات كثير جدا. فللمذاهب الاسلامية مساحات مشتركة كثيرة سواء كانت في الاصول العقائدية او في المجالات التشريعية.
الثاني:التعذير عند الاختلاف؛ فمادمنا نؤمن بانفتاح باب الاجتهاد، وهي الحالة الطبيعية التي لا يمكن اغلاقها بقرار، ومادامت اسباب اختلاف النتائج الاجتهادية قائمة وطبيعية، فمعنى ذلك الرضا باختلاف الآراء والفتاوي ومن الجدير بالذكر هنا اننا لا نجد نهيا اسلاميا عن الاختلاف في الاراء وانما ينصب النهي على التنازع العملي المذهب للقوة، والتفرق في الدين والتحزب الممزق وامثال ذلك.
الثالث: تجنب التكفير والتفسيق والاتهام بالابتداع؛ ونحن نعتبر مسألة التكفير من المصائب التي ابتلي بها تاريخنا رغم النصوص الشريفة التي تحدد المسلم من جهة وتمنع من التكفير للمسلم من جهة اخرى.
الرابع: عدم المؤاخذة بلوازم الرأي؛ ...ان المناقشة العلمية الهادئة امرٌ مطلوب. ولسنا مع اغلاق باب البحث الكلامي مطلقا بل المنطق يقتضي فتحه، ولكننا ندعو للمناقشة المنطقية فلا ننسب للآخر مالم يلتزم به ومادام لا يؤمن بالملازمة بين رايه والراي الآخر فاننا نلتمس له العذر وبهذا نستطيع ان نغلق بابا واسعا من الاتهامات الممزقة .
الخامس: التعامل باحترام عند الحوار؛ ذلك اننا نعلم ان الحوار هو المنطق الانساني السليم في نقل الفكر الى الآخرين، وان القرآن الكريم طرح نظرية رائعة للحوار المطلوب تناولت مقدمات الحوار وظروفه واهدافه ولغته بشكل لا مثيل له.
السادس: تجنب الاساءة لمقدسات الآخرين؛ ... والنصوص الاسلامية في النهي عن السب واللعن معروفة.
السابع: الحرية في اختيار المذهب؛ ذلك اننا بعد ان اعتبرنا المذاهب نتيجة اجتهادات سمح بها الاسلام علينا ان نعدها سبلاً مطروحة للايصال الى مرضاة الله تعالى؛...و لا معنى لاجبار احد على اختيار مذهب ما لأن ذلك مما يرتبط بالقناعات الايمانية وهي امر لا يمكن الوصول اليه الا بالدليل والبرهان.
وفي سياق متصل اكد التسخيري، "ان لكل مذهب الحق في توضيح ارائه ودعمها دونما تعد على الآخرين او تهويل او تجريح فلا ندعو الى اغلاق باب البحث المنطقي السليم وانما نرفض محاولات الاستغلال السيء، والاستضعاف، والجدال العقيم، وفرض الراي وامثال ذلك".
وعن دور العلماء والمفكرين الاسلاميين في عملية التقريب شدد سماحته قائلا: لاشك ان العبء الاكبر من العملية يقع على عاتق هؤلاء في مجال التقريب، ذلك لأنهم من جهة ورثة الانبياء وحملة الدعوة وبناة الجيل، وهم من جهة آخرى اعلم بالاسس التي يعتمدها التقريب واكثر اثرا في توحيد الصفوف وتحقيق خصائص الامة.
وقدم الامين العام للمجمع العالمي للتقريب عدة مقترحات بشأن الادوار التي يجب على علماء الامة الالتزام بها ومنها:
۱- ضرورة التعمق في اسس هذه الحركة وقيمها، وتأصيلها في نفوسهم وعكسها في بحوثهم ودراساتهم وكتاباتهم، بل واخذها بعين الاعتبار في استنباطاتهم الفقهية والفكرية...
۲- العمل المنسق على توعية الامة والانتقال بثقافة التقريب الى المستوى الجماهيري؛ فلا يشعر الفرد المسلم تجاه الآخر الا بشعور الاخوة الصادقة والتعاون رغم الاختلاف المذهبي.
۳- السعي المشترك المتظافر لاتخاذ المواقف الوحدوية النموذجية في كل القضايا المصيرية .
وختاما عوّل اية الله التسخيري على نشاط المؤسسات والحكومات في الحركة التقريبية وقال: "اما المراكز بل والحكومات الاسلامية فيمكنها ان تقوم بدور هام في هذا المجال من خلال تشجيع حركة التقريب واقامة المؤتمرات وتنفيذ المشروعات واعتماد الاعلام المسؤول ونفي مظاهر التفرقة وعناصرها ونشر ثقافة التسامح المذهبي وامثال ذلك".