الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية
الدكتور شهرياري : السلام لايتحقق الابسيادة القيم الانسانية
القى الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية حجة الاسلام و المسلمين الدكتور "حميد شهرياري" مساء يوم الجمعة كلمة بعنوان" دور القيم الإنسانية في تحقيق السام العالمي / رؤية قرانية " في المؤتمر الرابع عشر " فطرة الله " الانسجام بين المبادي الاسلامية و القيم الاسلامية" للمنتدى الوحدة الاسلامية في المملكة المتحدة – لندن : " السلام لايتحقق الابسيادة القيم الانسانية و القيم الانسانية لاتتحقق الاباستئصال الاحقاد (الخصام) من النفس البشريةو هذه الاحقا لاتزول الاباتجاه البشرية نحو مرضاة الله ".
فيمايلي نص الكلمة الدكتور شهرياري
بعنوان: دور القيم الإنسانية في تحقيق السلام العالمي/رؤية قرآنية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتقدم أولا بالشكر إلى منتدى الوحدة الإسلامية لما يقوم به من نشاط يصب في تلبية الحاجات الملحة لأمتنا، وعلى رأسها توحيد هذه الأمة، إذ بدون أن تكون لنا هذه النظرة التوحيدية، وبدون أن نرى أن هذه الأمة هي أمة واحدة، في دائرة حضارية واحدة، لا يمكن أن تفكر في تحقيق سائر أهداف أمتنا من عزّة وكرامة وقوة وَمَنعة وتقدم.
ثم الشكر للمنتدى على اختياره هذا العنوان لمؤتمره الرابع عشر وهو «الانسجام بين المبادئ الإسلامية والقيم الانسانية» فهو يتجه بالصميم إلى تبيين موقف المشروع الإسلامي من أهمّ ما ترنو إليه البشرية وهو سيادة القيم الإنسانية.
إن القيم الإنسانية مشترك بشري لا يمن أن ينكرها أحدٌ، فهي راسخة في "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ " وجاءت الأديان السماوية لتؤكد هذا التوجه الفطري ولذلك قال سبحانه في نهاية هذه الآية الكريمة:"ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".
من هنا نستطيع أن نقول إن البشرية كلما اقتربت من القيم الإنسانية فقد اقتربت من الدين القيم، ومن فطرة ربّ العالمين.
الساحة البشرية اليوم تموج بشعارات القيم الإنسانية، حتى الذين يمارسون ما يتعارض مع هذه القيم، يرفعون هذه الشعارات لارتباطها بما تتطلع إليه البشرية من غد أفضل. وإلى هذا النوع من الناس الذين يتظاهرون برفع الشعارات الكاذبة لكسب إعجاب الناس يقول سبحانه: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " بل وأكثر من ذلك يحاول خداع الناس بأن يجعل الله شهيدًا على قلبه "وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ "بنما هو في الواقع لا يؤمن بما يقول، ويحمل في قلبه ضغينة تجاه الإنسان والإنسانية: " وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ".
خصومته هذه تبرز حين تتاح له قدرة على إدارة أمر من الأمور، ويتولى مسؤولية من المسؤوليات، فإنه يعمد إلى إهلاك وإبادة الاقتصاد، وخلق الصراع الطبقي، وممارسة سياسة التجويع والإرهاب المالي وهدم البنى التحتية للبلدان ولا يكتفي، بل يعمد بشتى السبل إلى شنّ الحروب وإزهاق أرواح الملايين وتشريدهم من ديارهم: "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ" .
إذن البشرية كانت رغم شوقها إلى تحقق القيم الانسانية أمام مفسدين. وهؤلاء المفسدون ما إن اتيحت لهم الفرصة يعرضون المجتمعات إلى الهدم والدمار والإبادة في الأموال والأنفس. وهذا ما ترفضه الأديان السماوية التي استهدفت منع الفساد وإشاعة الاصلاح، وكان خطاب الرسل دومًا " إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" .
والاصلاح يعني استتباب القيم الإنسانية في المجتمع، وهو عكس الفساد الذي ترفضه شرائع السماء: " إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ "وترفض ظلم الظالمين وعدوان المعتدين " فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ .
الآيتان اللتان ذكرناهما من سورة البقرة تتبعها ثلاث آيات كريمات تشكل بمجموعها منظومة واحدة في القيم الإنسانية.
هذا المفسد الذي يهلك الحرث والنسل ويعرض البشرية للخطر يتصف بالروح الاستكبارية التي لا تقبل النصح ولا تَرعوي بالموعظة، ولا تستمع إلى نداء الإنسانية، بل هي في مقابل النصح تلجّ في عدوانها وتزداد ارتكابًا لآثامها، وتشبثًا بنهجها الإجرامي إلى أن تلاقي مصيرها المحتوم:
"وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ " لا لائحة حقوق الانسان تمنعه ولا قرارات الأمم المتحدة تردعه ولا نداءات الشعوب المستضعفة تصل إلى أذنيه، بل يتمادى باستمرار في ظلمه وعدوانه.
هذا هو الخطر الذي يهدّد القيم الإنسانية في الماضي وفي عصرنا الراهن، ولا سبيل لدرء هذا الخطر إلا بما تقدمه الأديان السماوية الحقّة من نهج يستأصل هذا الخطر ويقضي عليه مبتدئًا من صياغة النفس الإنسانية لتكون متجهة نحو رضا الله سبحانه. وهذا هو الذي تشير إليه الآية التالية: Pوَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ".
رأفة رب العالمين بعباده تتجلى في صياغة تلك الفئة من الناس التي تحررت من ذاتياتها وأنانياتها فأصبحت لا تفكر إلا في القيم الإنسانية التي تُرضي الله سبحانه، هذه القيم التي نادى بها القرآن متمثلة بالعدل والقسط والدفاع عن المستضعفين والتبادل المعرفي (أو التعارف) بين البشر، واستشعار المسؤولية تجاه الآخرين ، واعتبار أفراد المجتمع ضمن مقولة: «إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، وهذه الصياغة الإلهية للكائن البشري لا تتحقق إلا إذا كان المثل الأعلى للإنسان هو المثل الأعلى المطلق سبحانه ﻻ المثل الهابطة المتمثلة في الأهواء النفسية، ولا المثل السرابية التي يحسبها الظمآن ماء. ولقد حققت التجربة الإسلامية على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات أروع صور هذا التحرر من الانغماس في الذات والتوجه نحو التضحية والفداء في سبيل مرضاة الله سبحانه.
واللافت للنظر أن الآيات الكريمات تستتبعها الدعوة إلى الدخول في السلم. وكأن جميع تلك المقدمات التي ذكرتها الآيات إنما هي من أجل منع العوامل التي تحول دون السلم والتأكيد على العوامل التي تُحلّ السلام في المجتمع:" اأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ".
السلام لا يتحقق إلا بسيادة القيم الإنسانية، والقيم الإنسانية لا تتحقق إلا باستئصال الاحقاد (الخصام) من النفس البشرية، وهذه الاحقاد لا تزول إلا باتجاه البشرية نحو مرضاة الله.
وفي واقعنا الراهن ثم جبهتان على الساحة العالمية. جبهة تملأ الدنيا بشعارات حقوق الإنسان، لكنها في واقعها العملي تُغرق الساحة البشرية بالدماء والدمار، وتعبث في الأرض الفساد، وتهلك الحرث والنسل، ومن الطريف أنها تفعل ذلك باسم الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وإذا ظهر من يخاطبها بأن تتقي الله تزداد عتواً ونفورًا، وتأخذها العزّة بالإثم.
والجبهة الأخرى تقاوم هذا الطاغوت وتقدم التضحيات تلو التضحيات في سبيل رضا الله وتحقيق ما أراده الله للبشرية من الدخول في السلم ورفض نهج أعداء البشرية من الشياطين الذين لا يخفون عداءهم للبشرية.
ولا يمكن أن يعمّ السلام في ربوع المعمورة إلا إذا سادت المبادئ الإسلامية التي تشكل الدعامة والضمان لسيادة القيم الإنسانية.
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا ثابتين في جبهة الذين يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، وابتغاء سيادة القيم الإسلامية التي بها وحدها تسود القيم الانسانية، وأن يكفّ عن البشرية شرّ الخصوم الألداء، وأن يسند سبحانه جبهة المقاومة التي بتضحياتها في سبيل مرضات الله تسود بإذن الله تعالى القيم الإنسانية ويعم السلام في ربوع المعمورة. إنه تعالى سميع مجيب.