حديث التقريب .. مستقبل مشروع التقريب يتوقف على فاعلية ثقافتنا
الثقافة هي القوّة المحركة لمسيرة المجتمع نحو الانتاج الحضاري و من هنا فإن مستقبلنا الحضاري وبتبعه مستقبل التقريب بين المذاهب الإسلامية يتوقف على فاعلية ثقافتنا.
مستقبل التقريب بين المذاهب الإسلامية يتوقف على مستقبلنا الحضاري، وهل يمكن أن يكون لنا مستقبل حضاري بعد السقوط؟ أليست الحضارة الإسلامية مثل الحضارة الفرعونية والساسانية والبابلية والفرعونية وسائر الحضارات التي سادت ثم بادت؟ هذه الأسئلة على غاية من الأهمية، فالإجابة عليها ترتبط بمستقبل أمتنا وبمشروع النهضة وبالتالي بمستقبل مشروع التقريب.
كل المحاولات الفكرية الاستعمارية انصبّت في الواقع على إقناع المسلمين بأن الإسلام لا يمكن أن يكون له دور في الحياة بعد عصر العلم والتنوير، ولابدّ أن يكون مصيره مثل مصير الكنيسة الغربية التي تركت الساحة للعقل الإنساني.. المادّي طبعًا.
وهنا ظهرت فكرة نهاية التاريخ في إطار الفكر المادي الغربي لتقول مرّة على لسان الماركسية أن نهاية التاريخ هو المجتمع الشيوعي، وتقول على على لسان الرأسمالية الغربية أن نهاية التاريخ هي قيام المجتمعات الليبرالية الديمقراطية.
وانتشرت أفكار المرجعية الغربيّة التي حاولت أن ترسّخ في أذهان المسلمين أن كل تقدّم حدث في التاريخ الإسلامي إنما هو بتأثّر من الحضارة الغربيّة.
والواقع أن الهزيمة الحقيقية للعالم الإسلامي أمام الغرب ما كانت سياسية ولا عسكرية، لكنّها ثقافية.
وهنا نحدّد معنى الثقافة ونقول: إن الثقافة هي القوّة المحركة لمسيرة المجتمع نحو الانتاج الحضاري.
من هنا، فإن مستقبلنا الحضاري وبتبعه مستقبل التقريب بين المذاهب الإسلامية يتوقف على فاعلية ثقافتنا.
نحن نعتقد أن الثقافة الإسلامية فيها من عناصر الحركة بالقوّة ما يؤهلها لأن تستعيد دورها في دفع المسيرة الحضارية للأمة الإسلامية من جديد، شرط أن تفعّل عناصر هذه الثقافة، أو بعبارة أصحّ أن تُزال العوائق أمام فاعليتها.
ثمة ظواهر إيجابية راهنة كثيرة في الثقافة الإسلاميّة تمهّد لاستعادة دورها من تلك:
أنها مدعومة برصيد إيماني يرتبط بالبعد اللامتناهي الغيبي من الإنسان، وهذا الرصيد لا يزال يؤدي دوره في عبادات الناس ومعاملاتهم وسلوكهم في الحياة. وإنها تقوم على أساس قيم إنسانية تتجاوز الاختلافات القومية والإقليمية والجغرافية وهذه القيم هي التي تجعل الأمة الإسلامية تتخذ اليوم موقفًا واحدًا من كثير من قضايا العالم الإسلامي.
كما أنها لا تزال تؤدي دورها في خلق ذوق موحّد تجاه الآداب والفنون، ولذلك، ورغم كل عوامل التمزيق بين المسلمين، لاتزال آدابهم وفنونهم تنطق بلسان واحد تقريبًا.
أما ما فقدته الثقافة الإسلامية بالتدريج منذ بداية أفولها حتى اليوم، فهو عنصران :
الأول: الشعور بالعزّة، لقد واجه العالم الإسلامي منذ القرن الهجري الأول عوامل لمصادرة العزّة، غير أن الطاقة الضخمة من الدفع الثقافي التي أودعها الإسلام في هذه الأمة تجاوزت كل تلك العوامل، وتواصلت المسيرة بشعور مليء بالعزّة، لكن هذه العوامل المثبطة تضخّمت بالتدريج، وهبط معها منحني العزّة، وجاءت حملة المغول لتفعل فعلها في إذلال المسلمين، لكن المسيرة تواصلت ولكن ببطء وبتعثّر، حتى جاء عصر الاستعمار ليوجّه أكبر ضربة لعزّة المسلمين، ولا تزال عملية الإذلال الاستعماري مستمرة حتى يومنا هذا.
الثاني: مما فقدته الثقافة الإسلامية من عناصر فاعليتها، فهو الانفتاح أو بالتعبير القرآني «التعارف» وكما أن التعارف بين «الذكر» و«الاثنى» أساس نمو البشرية كميًّا، فالتعارف بين «الشعوب» و«القبائل» أساس نموّ البشرية نوعيًا.
ومن هنا نرى دعوة القرآن إلى التعارف واعتباره سبب التعددية البشرية، ومن هنا أيضًا نرى ازدهار الحضارة الإسلامية، يأتي بعد تعارف العرب مع الشعوب الأخرى.
وعبثًا هذا الجدل الذي يُثار عن الحضارة في العصر العبّاسي هل هي عربية أم فارسيّة، إنها بموضوعية تامة: إسلاميّة، لأن الفضل فيها يعود إلى الإسلام الذي جعل الشعوب تنفتح على بعضها، وتتخذ قاعدة «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» معيارًا للتعامل مع بعضها.
هذا التعارف هبط بين المسلمين منذ بدايات النزاع الصفوي العثماني، وبلغ حدّه الأدنى في الهبوط بعد معاهدات التقسيم وإقامة السدود والحدود بين المسلمين.
لقد كان العالم الإسلامي أيام أزدهار الحضارة الإسلامية قرية كبيرة متعارفه متواسية متعاونة، أما بعد الأفول الحضاري فقد تحولت إلى دويلات غير متواصلة رغم ثورة الاتصالات في العالم.
نحن إذن أمام مظاهر هامّة للغاية من المظاهر الايجابيّة التي تدلّ على حياة الثقافة الإسلامية وفاعليتها في حياة المسلمين، لكننا أمام تحديات أهمها: استعادة العزّة، واستعادة التعارف.
نسأل الله سبحانه أن يوفق أمتنا لتوفير مستلزمات التقريب؛ إنه ولي التوفيق.المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية