المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية
حديث التقريب : العلاقات الحضارية بين الايرانيين والعرب
حديث التقريب
العلاقات الحضارية بين الايرانيين والعرب
الأول: الصعيد الرسمي. الثاني: الصعيد الشعبي ويشمل النخب المثقفة.
على الصعيد الرسمي ثمة مشكلة هامة هي "حرية القرار". معظم حكومات العالم الاسلامي مضطرة بدرجة وأخرى لقبول معادلات الهيمنة الدولية التي تأبى أي مظهر يدل على عودة حضارية للعالم الإسلامي، والتي تصرّ على إبقاء مظاهر التخلف والاذلال والتمزيق والسيطرة في هذه المجموعة الحضارية. غير أن ثمة مظاهر بدأت تبرز في الأفق تدلّ على رغبة حقيقية في تحرير القرار كرد فعل لتصاعد التعنّت والغطرسة وفرض الرأي والتعامل المزدوج والاستهانة بالكرامات والمقدسات، وهذه الرغبة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تعالت حكومات هذه المنظومة الحضارية على الخلافات المفتعلة بينها ورسخت أسس تعاون حقيقي بين بلدانها، ولا شك أن التعاون الثقافي سيحظى بالأولوية لأنه يشكل القاعدة التي يقوم عليها صرح العلاقات بين أبناء المجموعة الحضارية الواحدة.
نستطيع أن نقول دون أن نخشى زللاً أن العلاقات الحضارية بين الايرانيين والعرب ترتبط بشكل كبير بتحرر القرار السياسي.
أما على الصعيد الشعبي فكان هناك عاملان للتباعد: العامل القومي والعامل الطائفي. العامل القومي ظهر بعد عصر الاستعمار، فظهرت العصبيات والمشاحنات. وتراشق القوميون العرب والفرس بالتهم ونشبت بينهم العداوات، وحاول كل فريق أن يجنّد الشارع ضد الفريق الاخر، وراح القوميون غير العرب يحاولون التخلص من كل ارتباط بالجذر الحضاري، بما في ذلك الخط العربي، فبعضهم أفلح في تغيير هذا الخط، وبعضهم أخفق بسبب مقاومة الأمة.
ثم هناك العالم الطائفي الذي عمل بوضوح على فصل الإيرانيين عن العرب بعد النزاعات الصفوية العثمانية. ولايزال يعمل على تمزيق الصف، ويدور بالدرجة الأولى حول محور إثارة الاختلافات بين أهل السنة والشيعة.
وثمة عوامل أخرى ظهرت بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران أدت إلى تكثيف التجزئة السياسية بين إيران والعرب، وهي إثارة المخاوف من صدور الثورة، وما يسمى بالمحاولات التوسعية الإيرانية، والإرهاب، والتسلح النووي و... أمثال ذلك مما يعمق الهواجس بين حكومات المنطقة بشكل خاص. ومما زاد من هذه الهواجس بعضُ التصرفات غير المسؤولة من أفراد وضعت أعمالهم في حساب إيران كلّها، كما كانت هناك بعض التصرفات المأجورة التي استهدفت أن تسيء إلى العلاقات بين إيران ودول المنطقة لقاء أثمان مدفوعة.
بالنسبة لدور التعصب القومي في التفريق فإنه ضعف كثيراً في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية، بفضل الحركة السريعة العارمة للعودة إلى الانتماء الحضاري، وانعكست هذه الحركة في الكتب المدرسية والإعلام والخطاب الثقافي والسياسي، كما انعكست في موقف الشارع الايراني من العرب والقضايا العربية.
وكان من المفروض بالحرب الإيرانية العراقية أن تعيد حالة التعصب القومي المعادية للعرب في إيران، لكنها والحق يقال ـ فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك، ويعود السبب الى ضخامة حجم العودة الحضارية. ثم الى الاعلام الإيراني الذي نجح إلى حد كبير في الفصل بين ظاهرة الحرب والانتماء الحضاري للأمة الإسلامية وقضاياها المصيرية.
أما في العالم العربي فإن المشروع القومي لم يحقق الطموحات المرجوّة خاصة حين اتجه لدى بعض فصائله اتجاهاً بعيداً عن جذور الأمة ومعتقداتها. ومن المؤمّل أن يدفع الحوار القومي ـ الإسلامي الى تعديل المفاهيم القومية كي تعيدها إلى الجذور وتبعدها عن التنافر القومي مع أبناء الحضارة الواحدة.
غير أن بعض مظاهر عصر التنافر القومي لا تزال قائمة مشهودة في الكتب الدراسية والخرائط والتسميات الجغرافية، وفي الخطاب الإعلامي والثقافي أحياناً، ولابدّ من تغيير هذه المظاهر لتتناسب مع الجوّ الحضاري الجديد الذي نبتغيه.
والمسألة الطائفية برزت بشكلها السياسي الحادّ بين الإيرانيين والعرب منذ أيام النزاع الصفوي العثماني. ثم استُغلت في عصر الاستعمار ضمن خطة تشديد الفواصل وخلق بؤر النزاع والاختلاف. ثم استُغلت في الثمانينات بشكل خاص لأهداف معروفة.
غير أن هذه المسألة باتت لا تشكل عائقاً ثقافياً كبيراً بين الايرانيين والعرب، خاصة بعد أن تبنّى الفريقان فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وهي فكرة رائدة تتعامل مع المذاهب بواقعية وبروح حضارية، لأنها تدفع إلى تحويل المذاهب من حالة طائفية متخلفة الى حالة تعددية فكرية واجتهادية متحضرة. في إيران تشكل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، وظهرت أدبيات التقريب لتقدّم المنهج والأسلوب والفكر اللازم للتقريب. وانتشرت هذه الظاهرة في العالم الإسلامي، وعقدت الندوات المختلفة في هذا المجال.
لكن هذا لا يعني انتهاء المشكلة، فلا تزال العصبيات الموروثة وضيق الأفق وقصر النظر والجهل وغياب الأهداف الكبيرة وضمور الشعور بالكرامة الإنسانية وهكذا نشاط العناصر المدسوسة تفعل فعلها في إثارة العصبيات الطائفية. وهذه مسألة ثقافية تحتاج الى معالجة جادة من الايرانيين والعرب.
أما المسائل المفرقة الاخرى التي ظهرت بعد انتصار الثورة الاسلامية فأعتقد أن كثيراً منها قد زال بسبب انكشاف الأوراق واتضاح الزيف، وتعديل الخطاب ونضج المواقف ، ونأمل أن يستمر هذا المسير لمدّ جسور الثقة الرسمية والشعبية بين الإيرانيين والعرب والله الموفق.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية