@ 386 @ فهذا لا يشك مسلم أن صاحبه لا يلحقه من معرة الترك شيء . .
( ( وإما أن يكون تركا غير جائز . فهذا لا يكاد يصدر من الأئمة إن شاء الله تعالى ، لكن الذي قد يخاف على بعض العلماء ، أن يكون الرجل قاصرا في درك تلك المسألة ، فيقول مع عدم أسباب القول ، وإن كان له فيها نظر واجتهاد ، أو يقصر في الاستدلال فيقول . قبل أن يبلغ النظر نهايته ، مع كونه متمسكاً بحجة ، أو يغلب عليه عادة أو غرض بمنعه من استيفاء النظر ، لينظر فيما بعارض ما عنده وإن كان لم يقل إلا بالاجتهاد والاستدلال فإن الحد الذي يجب أن ينتهي إليه الاجتهاد قد ينضبط للمجتهد . ولهذا كان العلماء يخافون مثل هذا ، خشية أن لا يكون الاجتهاد المعتبر قد وجد في تلك المسألة المخصوصة . فهذه ذنوب ، لكن لحوق عقوبة الذنب بصاحبه ، إنما تنال لم يتب ، وقد يمحوها الاستغفار والإحسان والبلاء والشفاعة والرحمة ، ولم يدخل في هذا من يغلبه الهوى ، ويصرعه حتى ينصر ما يعلم أنه باطل ، أو من يجزم بصواب قول أو خطئة ، من غير معرفة منه بدلائل ذلك القول نفياً وإثباتاً ، فإن هذين في النار ، كما قال النبي ( ( القضاة ثلاثة : قاضيان في النار ، وقاض في الجنة ، فأما الذي في الجنة فرجل علم الحق فقضى به ، وأما اللذان في النار ، فرجل قضى للناس على جهل ، ورجل علم الحق وقضى بخلافه ) ) والمفتون كذلك . لكن لحوق الوعيد للشخص المعين أيضاً ، له ، موانع كما بيناه ، فلو فرض وقوع بعض هذا من بعض الأعيان من العلماء المحمودين عند الأمة ، مع أن هذا بعيد أو غير واقع لم يعدم أحدهم هذه الأسباب ، ولو وقع لم يقدح في إمامتهم على الإطلاق ، فإنا لا نعتقد في القوم العصمة ، بل نجوز عليهم الذنوب ، ونرجو لهم مع ذلك أعلى الدرجات ، لما اختصهم الله به من الأعمال الصالحة ، والأحوال السنية ، وأنهم لم يكونوا مصرين على ذنب ، وليسوا بأعلى درجة من الصحابة رضي الله عنهم . والقول فيهم كذلك فيما اجتهدوا فيه من الفتاوى والقضايا والدماء التي كانت بينهم وغير ذلك ، ثم إنهم مع العلم بأن التارك الموصوف معذور بل مأجور ، لا يمنعنا أن تتبع الأحاديث الصحيحة التي لم نعلم لها معارضا يدفعها ، وأن نعتقد وجوب العمل بها على الأمة ، ووجوب تبليغها . وهذا مما لا يختلف العلماء فيه ) ) . انتهى المقصود من هذا البحث من فتوى شيخ الإسلام ، ولها تتمة بديعة فلتنظر .