[ 25 ] لا يقضى بالتزام استعمال اللفظ في المعنى غير الموضوع له للفرق بين استعمال اللفظ في المعنى واطلاق الكلى على الفرد الا ترى ان استعمال الكلى في خصوص الفرد مجاز مع ان اطلاقه على ذلك ليس من المجازات في قولك رايت انسانا قد اطلقت الانسان على خصوص الفرد الذى رايته مع انه ليس مجازا قطعا لاستعماله في نفس مفهوم ينبهك على ذلك انك لو قلت رايت انسانا وقد رايت شجرا كان قولك كذبا ولم يكن الاستعمال غلطا فانك لم تستمعل قولك انسانا الا في مفهوم فرد من الانسان الغير الصادق على الشجر وكذا الحال في قولك رايت عالما وقد رايت زيدا الجاهل وقولك رايت زيدا العالم وهو جاهل في الواقع فلو اشتبه عليك الحال فزعمته على ما اخبرت ظهر عليك حصول الغلط في الحكم (دون الغلط) في الاستعمال وكذا في الاخير بالنسبة إلى الحكم الضمنى اللازم من التوصيف وهذا هو الوجه في عدم كون الاسامي الواردة على الشبح المرئى من بعد بحسب اختلاف اعتقاد المتكلم فيه غلطا لاستعمالها فيما وضعت له واطلاقها على ذلك من جهة اعتقاد انطباق كل من تلك المعاني معها وانما الغلط هناك في الاعتقاد المذكور إذا تبين ذلك ظهر ان مجرد اطلاق اسم المشبه به على المشبه لا يقتضى باستعماله في مفهومه لامكان استعماله في المفهوم الذى وضع اسم المشبه به بازائه واطلاقه على ذلك الفرد لدعوى انطباقه عليه من غير استعماله اللفظ في المفهوم المفرد من ليكون مجازا فالمعنى الموضوع له هو المراد من اللفظ الا انه غير منطبق على ما اطلق عليه على سبيل الحقيقة ففيها مخالفة للظ من تلك الجهة وهى جهة اخرى غير استعمال اللفظ فيه اولا الذى عليه مدار الكلام في المقام فالاستناد في استعمال الاستعارة في غير ما وضع له إلى الاطلاق المذكور غير متجه وكذا دعوى استعمالها فيما وضع له البتة اذلا شاهد على تعيينه كما عرفت وامكان استعمالها في غير ما وضع له تنزيلا له منزلة الموضوع له من جهة المشابهة كان يراد بالاسد في اسد يرمى مطلق الشجاع الصادق على الفرد المخصوص المتعلق للحكم في الاستعمال المفروض فظهر بما قررنا تصحيح الاستعارة بكل من الوجهين المذكورين ودوران الامر فيها بالخروج عن الظ على كل من النحوين الا ان الوجه الاول ابلغ فلا يتعين احدهما بحسب الاستعمال وانما يتعين بملاحظة المستعمل نعم الظ في بعض الانواع الاستعارة استعمال اللفظ فيما وضع له والمقص منها الانتقال إلى ما يشبه اوامر اخر فمن ذلك الاستعارة في المركبات ويسمى بالتمثيل كما في قولك اراك تقدم رجلا وتؤخر اخرى المستعمل في مقام بيان تردد المخاطب فان من البين ان تلك المفردات لا يمكن اخلائها من المعنى والقول باستعمال المركب في المعنى الذى شبه بمعناه الاصلى من دون استعمال المفردات في شئ بين الفساد لوضوح ان المعنى التركيبي انما يؤخذ من معاني المفردات فإذا لم تكن مستعملة في شئ لم يعقل استعمال المركب في المعنى المقصود فهى لا محة مستعملة في معانيها الحقيقية أو المجازية وحيث ان استعمالها في المعاني الذى يتركب منها المعنى المجازى والمقص في المقام غير ظاهر بل فاسد ولو امكن تصحيحه في المثال المفروض على بعض الوجوه الركيكة فلا يجرى في غيره انحصر الامر في استعمالها في معناها الحقيقي فيكون الغرض من استعمالها في معانيها هو احضار معناه التركيبي في ذهن السامع لينتقل منها بمعونة القرينة إلى ما يشابهه في المقص من تادية العبارة المذكورة هو الحكم في المعنى المجازى الا ان اللفظ غير مستعمل فيه وانما استعمل في معناه الحقيقي للانتقال إلى المجازى المشابه له بواسطة القرينة حسبما بيناه هذا ما يقتضيه التحقيق في المقام وقد يرجع إليه ما ذكره علماء البيان في بيانه الا ان تطبيق كلامهم عليه لا يخ عن خفاء ومن ذلك الاستعارة التخييلية كما في قوله وإذا المنية انشبت اظفارها فان المقص منها اثبات ذلك الامر المختص بالمشبه به لتخيل ان المشبه من جنسه وهو انما يكون باستعمالها فيما وضعت له غير انه ليس المقص منه ومنها المبالغة باصنافها الثلثه من التبليغ والاغراق والغلو فان المبالغة هناك انما تحصل باستعمال اللفظ فيما وضع له غير ان ليس المقص منه اثبات ذلك المعنى على سبيل الحقيقة بل المراد المبالغة في الامر المقصود في ذلك المقام من المدح أو الذم ونحوهما هذا ولا يذهب عليك ان الصور المذكورة كلها مندرجة في حد الحقيقة على ظاهر حدها المعروف بين علماء الاصول والبيان لما عرفت من استعمال اللفظ في معناه الموضوع له في الجميع مع ان الظ بعد الت في الاستعمالات عدم اندراج شئ منها في الحقيقة واتفق الفريقان على عد بعضها من المجاز واختلفوا في الكناية فالبيانيون جعلوها قسما براسه وظ علماء الاصول ادراجها في المجاز وقد نص عليه بعضهم بل ربما يحكى اجماعهم عليه وح يشكل الحال في الحد المشهور بالنسبة إلى كل من الحقيقة والمجاز والذى يخطر ببالى في تصحيح هذا المرام ان يق ان المراد باستعماله اللفظ في المعنى في المقام هو اطلاق اللفظ وقصد افادة المعنى الملحوظ بان يكون ذلك المعنى اول ما يراد حقيقة من اللفظ سواء تقدمه مراد صوري جعل واسطة في الانتقال إليه كما في الصور المفروضة اولا كما في الحقايق وساير انحاء المجاز فيتفرع على ذلك ادراج الكناية في احد وجهها في الحقيقة باصطلاح اهل الاصول وهو ما إذا اريد من اللفظ افهام معناه الحقيقي واريد الانتقال منه إلى لازمه ايض فيكون المعنيان مقصودين بالافادة فالمستعمل فيه على ما قررنا هو المعنى الحقيقي خاصة إذ ليس لازمه مرادا بالاصالة ابتداء وانما اريد بتوسط ارادة المعنى الحقيقي فهو مدلول التزامي اللفظ قد صارت دلالة اللفظ عليه من جهة كونه لازما لما اريد منه مقصودا للمتكلم من غير ان يستعمل اللفظ فيه ولذا لا تكون قصده لتلك الدلالة تصرفا في اللفظ ليتوقف جوازه على ترخيص الواضع كما هو الحال في استعمال اللفظ في معانيه المجازية فبعد استعمال اللفظ في معناه الحقيقي وتعلق القصد به يحصل الدلالة على ذلك اللازم قهرا ولا يتفاوت الحال في استعمال اللفظ بين ان تكون الدلالة الخارجية مقصودة للمتكلم ايضا اولا فالفرق بينه وبين ما إذا لم يكن المعنى الحقيقي مقصودا بالافادة ظاهر للمتامل لوضوح حصول التصرف في اللفظ هناك حيث اطلق واريد غير معناه الموضوع له فيتوقف على ترخيص الواضع له لئلا يخرج عن كلام العرب من غير فرق بين ما يستعمل اللفظ في غير الموضوع له ابتداء وما يجعل ارادة المعنى الموضوع له صورة وصلة إليه فانه ح هو الذى يستعمل اللفظ فيه على الوجهين فظهر بما ذكرنا عدم اندراجها اذن في استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي معا وسيجئ لذلك مزيد توضيح في محله انش فان قلت إذا كان المناط في استعمال اللفظ في المعنى ان يكون ذلك المعنى هو المقص الاصلى الاولى من العبارة بمعنى ان لا يتقدمه مقصود اصلى اخر يكون الانتقال إليه من جهته وان تقدمه ارادة معنى اخر بمجرد الايصال إليه لزوم خروج كثير من الاستعمالات عن الحقيقة كما إذا كان الغرض المسوق له الكلام افادة لازم الحكم أو كان الغرض الاصلى هو التلذذ بمخاطبة المحبوب ونحو ذلك من الاغراض مع ان من الظ ادراج ذلك كله في الحقيقة فما الفارق في المقام قلت من البين ان هناك لوازم لنفس الاخبار والمخاطبة ولوازم للمعنى المخبر به فان كان المقص بالافادة هو اللازم على الوجه الثاني فهو يندرج في المجاز وينطبق عليه حده لكونه من استعمال اللفظ في غير ما وضع له مع مناسبته له واما ارادة اللازم على الوجه الاول فليس من استعمال اللفظ في ذلك اصلا بل المستعمل فيه هو المعنى الحقيقي الا انه ليس مقصود المتكلم من الكلام افادة مضمونه بل ساير الفوايد المترتبة على ذلك الكلام من لازم الحكم أو غيره للمعنى الموضوع له مقصودا بالذات ________________________________________