الأمر الثاني : التفرقة بين الغايات والوسائل: فالعمل المصرفي له غاياته ولهذه الغايات وسائل. فحفظ المال لدى أمين ـ مثلا ـ أصل غايته تحقيق الاطمئنان لمالكه خشية السرقة أو الضياع. أما وسيلة هذا الحفظ فتختلف من مرحلة إلى أُخرى. والغاية إذا كانت واحدة فالوسائل متعددة. ومن هنا فيجب التفريق بين الغايات والوسائل. فإذا كانت الغايات مقبولة شرعاً فإن تنوُّع الوسائل أمر يجب دراسته. والأعمال المصرفية تشمل غايتين: الأولى: تقديم الخدمات المختلفة. والثانية: استثمار الأموال بشكل ملائم. أما الخدمات المصرفية فهي متنوعة وتبعاً لاختلافها يمكن القيام بوسائل مختلفة لتحقيقها. وأما أعمال الاستثمار فهي تتألف من جانبين: الأول: تلقّي الوادئع بفائدة أو بغير فائدة. والثاني: توظيف تلك الأموال بعد ضمّها لأموال المصرف الخاصة. ومقصود الجانبين هو تشغيل المال لمنفعة المالك ومنفعة من يستثمره. ومن يتأمل في هذه المسألة يجد أن النقود يحرم ـ من جهة ـ كنزها ويحرم، من جهة أُخرى، إنفاقها تبذيراً أو إسرافاً. والعمل المصرفي يتجنب الأمرين فلا هو يكنزها ولا هو يبذّرها. والمطلوب هو أنه كيف يمكن تحقيق هذين الهدفين دون الوقوع في وسيلة محرّمة؟ فالربا مرفوض وإنّما يجب البحث عن أسلوب يتجنب الربا والمحظورات الأُخرى ويحقق هذا الهدف وهنا يقوم الاجتهاد المبدع بدوره. فالحفاظ على الأهداف وتغيير الوسائل بما ينسجم مع الفقه الإسلامي ويبرز عنصر الخدمة المصرفية ويبني العمل على أساس من المشاركة بين رأس المال والعمل هو المطلوب هنا. فعلى أي حال، هنا يأتي دور الاجتهاد المبدع والمجتهد القوي الذي لا تضيق عليه المسالك بمراجعة العقود والربط فيما بينها بشكل يحقق تلك الغايات ويضمن مشروعية هذه الوسائل