وهذه الأدلة منها ما يوجب القطع والعلم بالواقع، والقطع حجيته ذاتية لا تكتسب ولا تسلب; ومنها ما يوجب الظن بالواقع ويسمى اصطلاحا بـ(الإمارة) إذا قام على اعتبارها دليل قطعي يؤكد على ان الظن الذي تنتجه هو ظن يعتبره الشارع ويعدّه كاشفا عن الواقع، رغم كون هذا الكشف غير تام في نفسه إلاّ انه يتمم كشفه تعبدا. فالإمارة أذن تعلن إنها تؤدي إلى الواقع الشرعي من قبيل النصوص التي يظهر منها حكم شرعي، وهناك أدلة لا تعلن ان مؤدّاها هو الواقع، ولكن تؤكد على المكلف ان ينزل مؤدّاها منزلة الواقع، كالاستصحاب الذي يقول ببقاء اليقين في حالة الشك وذلك من حيث الجري العملي([62]). وهناك أدلة أُخرى لا تنظر إلى الواقع بكل مراتبه وتسمى بـ(الأُصول العملية) من قبيل أصل البراءة وأصل الاحتياط وأصل التخيير، ولن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع وإنّما نكتفي بهذه الإشارة. 2 ـ الأحكام الأولية والثانوية وللأحكام تقسيمات متعددة، إلاّ اننا نشير هنا إلى تقسيم يرتبط بموضوعنا هذا، وهو تقسيمها إلى الأحكام الأولية والثانوية. فالحكم الأولي هو الحكم المجعول للشيء أولاً وبالذات، بغض النظر عن العوارض التي تعرض عليه، وهي أكثر الأحكام الواقعية التكليفية كحرمة شرب الخمر، أو الوضعية كبطلان العقد الربوي. أما الحكم الثانوي، فهو ما يجعل للشيء من أحكام بعد طرو عنوان خاص يقتضي تغيير حكمه الاولي، كطروّ الضرر على الصوم، مما يحوّل حكمه من الوجوب إلى الحرمة مثلاً. وهي حالة تعبر عن مرونة عامة في الشريعة الإسلامية. وهناك اصطلاح آخر للحكم