تعارض القياسات نفسها، أو التعارض الذي يتركب من هذه الأصناف الثلاثة، أعني معارضة القول للفعل أو للإقرار أو للقياس، ومعارضة الفعل للإقرار أو للقياس، ومعارضة الإقرار للقياس([60]). إلاّ ان هذا التقسيم وقع موقع الاعتراض، إذ انه ركز على الأسباب التي تتصل بالاختلاف في تنقيح الصغريات لحجية الظهور أو حجية القياس؛ في حين ان الاختلاف في الكبريات نفسها باعتبارها المنشأ الأساس لهذا الاختلاف، مما لا يمكن تجاهله. ولذا اتجهوا للتركيز على منبعين رئيسيين هما: 1 ـ الخلاف في الأُصول والمباني العامة المعتمدة في الاستنباط الاجتهادي، كالخلاف في حجية القياس أو العقل أو الاستصحاب. 2 ـ الخلاف في تعيين مصاديق تلك الكبريات وموارد انطباقها. (وفي هذا القسم تنتظم جميع تلكم المناشئ التي ذكرها ابن رشد ونظائرها مما لم يتعرض لها كمباحث المفاهيم، والمشتقات، ومعاني الحروف، وما يشخص صغريات حجية العقل، كباب الملازمات بما فيه من بحوث مقدمة الواجب، واجتماع الأمر والنهي والأجزاء، واقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده، وغيرها من المباحث المهمة)([61]). وهذا التقسيم الأخير ـ بلا ريب ـ أوفى وأكثر انطباقا على الواقع من التقسيمين السابقين، وهذا يعني ان الاختلاف في أُصول الفقه هو الأساس في جلّ الاختلافات في الفتاوى، الأمر الذي يتطلب جهداً واسعاً ولقاءات علمية مستمرة لتحقيق تفهم أكبر للآراء والأدلة، والوصول إلى مساحات مشتركة ـ وهي واسعة كما أتصور ـ وذلك تقليلا للخلاف من جهة وتفهماً أكثر لوجهة النظر الفقهية المخالفة من جهة أُخرى، الأمر الذي يمنع من انسحاب هذا الخلاف الطبيعي إلى المجالات التحريفية التي المحنا إليها.