فلابد من أن نختار أحدهما بموجب مرجّحات باب التزاحم. وهذه المرجّحات لا تكون مرجّحات سندية بالطبع ; لعدم الشكّ في صحة الدليلين من حيث السند، وإنّما لابد من أن يأخذ المكلّف بأهمّ الخطابين ملاكاً لدى المولى، ويختار أولاهما وأهمهما عند الشارع، فيكون الترجيح هنا بالملاكات وليس بالسند. والترجيح هنا لأفضلهم في الفقاهة والتقوى والكفاءة، وأسبقهم إلى التصدّي، فتتعيّن فعلية الولاية له دون الآخرين. ولابد أن نشير هنا إلى أنّ الملاك عبارة عن محصّلة لهذه العناصر الأربعة: (السبق في التصدّي، والفقاهة، والتقوى، والكفاءة). فلو كان شخص أفقه من الآخرين وأكفأ منهم، ولكنّه كان ضعيفاً في التقوى مثلا، فيرجّح عليه من هو أقوى منه في التقوى ويكون دونه في الفقاهة والكفاءة، وهكذا في الصور الاُخرى. ففي الترجيح بالملاك الأقوى نلاحظ هذه المحصّلة التي أشرنا اليها. إذن، تعيين الولاية الفعلية للفقيه الذي تتوفّر فيه هذه المحصّلة من الملاكات بصورة أقوى. وكل مكلّف تتعيّن في حقّه ولاية الفقيه الذي يحرز أنّه أقوى ملاكاً (من حيث المحصّل)، وعليه فإنّ الفقيه الذي يحرز المسلمون جميعاً أنّه أقوى في هذه المحصّلة من الملاكات عن غيره من الفقهاء، تتعيّن ولايته الفعلية من بين الآخرين في مرحلة الإثبات. إلاّ أنّ من الواضح أنّ المسلمين لا يكاد أن يتفقّهوا جميعاً على رأي واحد في هذا الأمر، وأنّهم سوف يختلقون مذاهب وآراء شتّى في معرفة الفقيه الأصلح للولاية والحكم.