فتدخل ـ مرة أُخرى ـ هذه المسألة في باب التزاحم بشكل آخر، لتعدّد الأنظار والاختيار والتشخيص. ولمّا كان (نصب الحاكم) واجباً على المسلمين، كما تقدّم أولا، وكان لابد من (توحيد محور الولاية) والحكم ; لتستقيم اُمور الناس الإدارية والسياسية ثانياً، وجب علينا إعمال قواعد باب التزاحم للمرة الثانية، ولكن بمرجّحات من نوع آخر هذه المرّة، فإنّ الترجيح بالتفضيل في الفقاهة والتقوى والكفاءة لا تنفع هذه المرة، لاختلاف وجهات أنظار الناس عن تفضيل المرشّحين للولاية والحكم في هذه النقاط الثلاث، ولم يبق إلاّ الترجيح بانتخاب (الأكثريّة) من المسلمين أو انتخاب أكثرية أهل الحلّ والعقد، باعتبار أنّ ذلك هو الطريق العقلائي الوحيد في مثل هذه الموارد من باب التزاحم، ومن دون ذلك لابد من ارتكاب واحد من المفاسد التالية: 1 ـ إهمال أمر التعيين والتشخيص الذي يؤدي إلى إهمال الأمر بإقامة الحكومة الإسلامية. فإنّ لتعيين وتشخيص الفقيه الأكفأ مقدّمة لتعيين الفقيه الحاكم، وهو مقدّمة لقيام الحكومة الإسلامية، وإهماله أمر غير جائز قطعاً. 2 ـ قبول تعدّد الحكّام والولاة حسب اختلاف الناس في تشخيصهم، وذلك يؤدي إلى هرج وفوضى عجيبين في المجتمع، ونقطع بعدم رضا الشارع به، مع غضّ البصر عن النصوص الواردة في وحدة الإمام. 3 ـ سلوك وسائل وطرق غير عادية وغير مألوفة شرعاً وعرفاً في أمثال المقام في تعيين الحاكم، من قبيل القرعة مثلا، أو اعتماد رأي الأقلّية من عامة الناس أو الأقلّية من أهل الحلّ والعقد، ونحن نقطع بعد ارتضاء الشارع لأمثال هذه المسالك، فينحصر الأمر إذا في اعتماد رأي الأكثرية من الناس أو الأكثرية من الناخبين وأهل