الصحابة والتابعين. وكان الإمام الحسين (عليه السلام) يؤنّبهم بأنّ منزلتهم هي منزلة (العلماء بالله)، وقد غلبوا على منازلهم من قبل السلاطين وجلاوزتهم، وتخلّوا عن مسؤولياتهم في مقارعة الظالمين، وفي إمامة المستضعفين. ولا ينافي ذلك أنّ هذا الكلام قد صدر من الإمام المعصوم، الحاكم على المسلمين، فإنّ الإمام (عليه السلام)يبيّن هنا قضية كلّية ذات مراتب مشكّكة، وهي أن مجاري الاُمور على أيدي العلماء، وهذه الحقيقة تصحّ في الولاية العامة للمسلمين، كما تصحّ فيما يلي ذلك من مراتب الولاية، مع وجود الحاكم، في الولايات المتفرّعة عن الولاية العامة. وأمّا كلمة (مجاري الاُمور) فهي ذات دلالة واسعة في هذا الشأن، فإنّ اُمور حياة الناس مختلفة وعديدة وكثيرة، منها: الاُمور التي تتعلّق بمعيشة الناس، ومنها: ما يتعلّق بأمن المجتمع، ومنها: ما يتعلّق بتوفير العمل لهم، ومنها: ما يتعلّق بالصحة العامة، ومنها: ما يتعلّق بالجهاد، ومنها: ما يتعلّق بالتربية والتعليم، وغير ذلك. ولكلّ أمر من هذه الاُمور مجرىً خاص، فلا يمكن أن تتمّ هذه الاُمور بصورة فردية في المجتمع، وإنّما يجري كلّ واحد من هذه الاُمور ضمن مجرىً خاص في الدولة، وضمن جهاز خاص، وإدارة خاصة، من أصحاب الاختصاص. ثم لابد أن يكون على رأس مجاري الاُمور هذه جميعاً حاكم واحد يتولّى الحكم والتنسيق والإدارة والضبط، وذلك الحاكم هو الفقيه العالم بالله، والمأمون على حدود الله وحلاله وحرامه، وذلك هو قوله (عليه السلام): «مجاري الاُمور والإحكام على أيدي العلماء بالله، الاُمناء على حلاله وحرامه». 8 ـ وفي كتاب سُليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أفينبغي أن يكون الخليفة على الاُمة إلاّ أعلمهم بكتاب الله وسنّة نبيّه، وقد قال الله: (أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى ) وقال: ( وَزَادَهُ