بالشرع ؟ فقالت طائفة: وجبت بالعقل ; لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم، ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم، ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين، وهمجاً مضاعين. وقالت طائفة اُخرى: بل وجبت بالشرع دون العقل ; لأنّ الإمام يقوم باُمور شرعية. وقد كان مجوّزاً في العقل أن لا يردّ التعبّد بها)[117]. وقال القرطبي: (ولا خلاف في وجوب ذلك (أي نصب الإمام والحاكم بين الاُمة)، ولا بين الائمة، إلاّ ما روي عن الأصمّ، حيث كان عن الشريعة أصمّ، وكذلك كل من قال بقوله واتّبعه على رأيه ومذهبه، قال: إنها غير واجبة في الدين، بل يسوغ ذلك، وإنّ الاُمة متى أقاموا حججهم وجهادهم، وتناصفوا فيما بينهم، وبذلوا الحقّ من أنفسهم... أجزاهم ذلك، ولا يجب عليهم أن ينصبوا إماماً يتولّى ذلك)[118]. ويقرّر السيد شريف الجرجاني في شرح المواقف الإجماع على وجوب نصب الإمام بأنّ الصحابة وإن اختلفوا في تعيين الشخص الذي تعهد إليه الإمامة، إلاّ أنّهم لم يختلفوا في وجوب نصب إمام يحكم بين الناس وفي الناس[119]. يقول الشهرستاني: (ولمّا قربت وفاة أبي بكر (رضي الله عنه)، فقالوا: تشاوروا في الأمر، ثم وصف عمر بصفاته وعهد إليه... وما دار في قلبه ولا في قلب أحد أن يجوز خلوّ الأرض عن إمام..، فدلّ ذلك كلّه على أنّ الصحابة رضوان الله عليهم، وهم الصدر الأول كانوا على بكرة أبيهم متّفقين على أنّه لابد من إمام...، (فذلك الإجماع على هذا الوجه دليل قاطع على وجوب الإمامة)[120].