ويقول ابن خلدون في المقدمة: (ثم إنّ نصب الإمام واجب، قد عُرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين، لأنّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر (رضي الله عنه)، وتسليم النظر إليهم في اُمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك، ولم تترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقرّ ذلك إجماعاً دالاّ على وجوب نصب الإمام)[121]. ويقرّر التفتازاني الإجماع السابق في شرحه على المقاصد، ولا يستثني من هذا الإجماع من طوائف المسلمين إلاّ (النجدات) وهم قوم من الخوارج، أصحاب نجدة بن عويمر[122]. ويبدو أنّ استثناء الأصمّ من المعتزلة، والنجدات من الخوارج غير دقيق. أمّا الأصمّ فقد قال صاحب كتاب المغني: عبد الجبار بن أحمد، شيخ المعتزلة: أنّ شيخه الجبّائي حكى عن الأصمّ: (أنّه لو أنصف الناس بعضهم بعضاً، وزال التظالم، وما يوجب إقامة الحدّ، لاستغنى الناس عن الإمام. ثم قال: والمعلوم من حال الناس خلاف ذلك، فإذن علم من قوله أنّ إقامته واجب)[123]. وبهذا الإجماع يصرّح جمع من فقهاء أهل السنّة والظاهرية. وأمّا الخوارج فقد كانوا على هذا الرأي أولا، ثم عدلوا عنه وأمّروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي. ولتوضيح هذا الإجماع نقول: إنّ مصبّ هذا الإجماع هو تمكين المتأهّل المستحقّ للإمامة من الإمامة، وممارسة الحكم فيما بين المسلمين...، ويختلف