ويقول السيوطي في «الدر المنثور»: (الطاغوت: رجل من اليهود يقال له: كعب بن الأشرف، وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله والى الرسول ليحكم بينهم قالوا: بل نحاكمهم إلى كعب، فذلك قوله: ( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إلى الطَّاغُوتِ))[95]. وبناءً على هذا التفسير، فإنّ حكّام الجور والأُمراء الظلمة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله تعالى، ويظلمون عباد الله، ويتعدّون حدود الله، هم أوضح وأبرز مصاديق (الطاغوت). ومعنى الكفر بالطاغوت: التبرّي من الطاغوت ورفضه وجحوده، ورفض التسليم والانقياد لهم، ونفيهم وطردهم من مواقع القوّة والسيادة في المجتمع. يقول الراغب الاصفهاني في «المفردات»: وقد يعبّر عن التبرّي بالكفر، نحو: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْض )[96]. وقوله تعالى: ( إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ)[97]...، ويقال: كفر فلان بالشيطان، إذا آمن وخالف الشيطان، كقوله تعالى: ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ )[98].[99] والكفر في هذه الآية لا يتم بعقد القلب فقط، وإنّما بالمجابهة ومواجهة الطاغوت كما يقول السيد الطباطبائي (رحمه الله)في تفسير «الميزان». وقد ورد التعبير عن هذه الحالة في سورة النحل، في الآية السادسة والثلاثين باجتناب الطاغوت، يقول تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّة رَّسُولا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ )، والاجتناب: أن يعزل المسلم موقعه وحسابه عن موقع الطاغوت وصفّه ونظامه ونفوذه، ويعلن انفصاله عن الطاغوت وبراءته عنه.