فليس كل المسلمين ينهضون بهذا الشأن، وإنّما أُمّة (جماعة) منهم. وكلمة (منكم) في الآية الكريمة ظاهرة في التبعيض، تدلّ على أنّ هذا التكليف الإلهي يخصّ جماعة وطائفة من المؤمنين فقط، في مقابل الآيات التي تعمّم هذا التكليف الإلهي على عامة المؤمنين ; لقوله تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ )، حيث تفيد عمومه تكليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكل المؤمنين. وكأنّ لهذا التكليف الإلهي نحوان من التنفيذ: نحو يتطلّب التنظيم والتخصّص والولاية، ونحو آخر يعمّ كل المؤمنين دون أن يستلزم الهرج والفوضى، ويستطيع أن ينهض به عامة المؤمنين من غير أن يحدث خلل في الحياة الاجتماعية. 4 ـ ويشترط في عمل هذه الطائفة من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إذن الامام وموافقته وترخيصه، ولا يصحّ عملهم في الضرب والجرح والقتل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير إذن الإمام وموافقته، وذلك لحرمة إراقة الدم والضرب، إلاّ إذا كان بمجوّز قطعي. فإنّ قاعدة الاحتياط في باب الدماء والأموال تقتضي الأخذ بهذا الشرط (إذن الإمام) في الضرب والجرح، وحجز الأموال من باب القدر المتيقّن، والقدر المتيقّن من تجاوز حرمة الدماء والأموال هو إذن الإمام وموافقته وتخويله، وقد ورد في الحدود تصريح بذلك في الروايات. فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إقامة الحدود إلى من إليه الحكم»[65]. وملاك الأمرين في باب الحدود وباب الضرب والجرح في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحد، وقد صرّح باشتراط شرعية الضرب والجرح في باب الأمر بالمعروف بإذن الامام، وموافقته جمع من الفقهاء، منهم الشيخ في النهاية،