وكأنّ الجميع إن لم يعتصموا بمجموعهم فلا يتحقّق الاعتصام أصلا، ثم يعقّب ذلك بكلمة: ( وَلاَ تَفَرَّقُواْ ). فعامل التفرّق ـ إذا ـ ينفي الاعتصام الجمعي من الأساس، ويؤدي إلى إفشال وإحباط القوة والسيادة في المجتمع الإسلامي ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )[53]. واذا انثلم الاعتصام بالتفرّق والاختلاف، فإنّ نتيجة الاختلاف والتفرّق تنال الجميع، حتى اُولئك الذين بقوا متمسّكين بحبل الله، ويكون مثل ذلك مثل قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً )، فإنّ نتيجة الاختلاف والتفرّق لا تقتصر على اُولئك الذين تفرّقوا فقط على محاور الهوى والطاغوت، وإنّما يشمل حتى اُولئك الذين لم يمارسوا ظلماً وعدواناً، وثبتوا على محور الهدى. هذا في الشأن الدنيوي لأمثال هذه الذنوب، وأمّا العقوبة الآخروية فهي تجري بميزان دقيق، ولا تصيب إلاّ الذين ظلموا خاصةً، ويكون مثل ذلك مثل القائد الذي يدعو جيشه أن يتسلّحوا، وأن يرصدوا العدو جميعاً لينتصروا عليه، فإذا تخلّف جملة منهم عن أداء واجبهم من الرصد والمرابطة والتسلّح، فإنّ الهزيمة لا تصيب الذين تخلّفوا منهم عن أداء واجبهم فقط، وإنّما تصيب الجميع. إذن، التكليف بالاعتصام الجمعي بحبل الله لا يمكن تنفيذه إلاّ من خلال الهيئة الاجتماعية فقط. ومن الواضح أنّ تنفيذ هذا التكليف من خلال الهيئة الاجتماعية لا يتم إلاّ بوجود سلطة مركزية ذات نفوذ وقوة، تتمكّن من إلزام الناس جميعاً بالتمسّك بحبل الله، ومراقبة حركة الناس، وعقوبة المتخلّفين... ومن غير ذلك يستحيل تطبيق وتنفيذ هذا الحكم الشرعي.