وهذه الكلمة معاكسة للكلمة السابقة، وهما معاً يرسمان صورة للعلاقة المتبادلة بين «النصيحة» و «الحبّ»، فالنصيحة تصنع الحبّ، والحبّ يصنع النصيحة. ولايكاد ينبع الخير والنصيحة من النفس إلاّ من منبع الحبّ والودّ، وهذه حقيقة في النفوس فطر الله تعالى الناس عليها. الحبّ من مقولة التوحيد والإخلاص والحبّ من مقولة التوحيد والإخلاص، ولا يكون في نفس الإنسان المؤمن غير حبٍّ واحد، هو حبّ الله عزّ وجلّ، وكلّ حبٍّ آخر في نفوس المخلصين من المؤمنين لابدّ أن يكون امتداداً لهذا الحبّ بنحو من الأنحاء. وتتّسع نفس الإنسان المؤمن لحبّ الله تعالى، وكلّ من يحبّ الله تعالى من رسله وملائكته وأوليائه وعباده الصالحين، ولا تضيق النفوس المؤمنة بهذا الحبّ مهما امتدّ وتسلسل، ولكنّها تضيق بالحبّ إذا لم يأذن به الله، وإذا عارض حبّ الله، وهو حبّ أعداء الله، فلا تتّسع لهما النفوس السليمة، يقول تعالى: (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُل مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)[702]. إذن مبدأ كلّ حبٍّ في نفس الإنسان المؤمن الذي أخلص نفسه وحبّه وعواطفه وهواه لله تعالى هو حبّ الله تعالى، وهو الحبّ الحاكم في النفس، وكلّ حبٍّ آخر ينفي هذا الحبّ ويعارضه تنغلق عليه منافذ قلبه ويضيق به. فلا يجتمع في نفس الإنسان المؤمن حبّان: حبّ الله تعالى و حبّ أعداء الله، وكذلك حبّ الله وحبّ الدنيا. روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «حبّ الدنيا وحبّ الله لا يجتمعان في قلب أبداً»[703].