كلّ منافع الخير والإحسان. والنصيحة ليست بمعنى أن ينجرد الإنسان عن مصالحه الشخصية نهائياً، فهذا ما لا يكون، ولكنّ النصيحة أن يهتمّ الإنسان بمصلحة الآخرين، ويسعى لتقديم العون إليهم، ويحمل هموم الناس كما يحمل همّ نفسه، ويحرص على مصالحهم كما يحرص على مصلحته، ويتقدّم لخدمتهم وإغاثتهم وإنقاذهم، وعونهم وتسديدهم، وتعليمهم، وتقديم المشورة إليهم كما يحبّ أن يتعامل الناس معه، ويحبّ الآخرين ويسعى لخدمتهم كما يحبّ نفسه ويسعى لخدمتها، ويؤرّقه همومهم وآلامهم كما يؤرّقه همّه وآلامه. هؤلاء يتجاوزون حدود أنفسهم، ويخترقون حصار الأنا والذات، ليعيشوا لكلّ الناس، فيخرجون من نطاق الذات المحدودة إلى رحاب المجتمع الإنساني الواسع. معين الخير في النفس إنّ نفوس المؤمنين فيّاضة بالخير للآخرين، تحبّه وتطلبه للآخرين. ومن عجبي أنّ نفوس الناس شحيحة، ضنينة بالخير. يريدون الخير لأنفسهم ولا يسمحون بالخير للآخرين، كأنّ نفوسهم «الأفعال اللازمة» التي لا تتعدى إلى الآخرين إلاّ في السوء والشرّ. وهذه من طبائع النفوس، إذا لم تُهذَّب (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ)[699] (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ)[700]. فكيف تتحوّل هذه النفوس الشحيحة والضنينة بالخير إلى منبع يفيض بالرحمة والخير على الآخرين ؟ !