بالنصيحة للآخرين، في تعامله معهم، في الوقت الذي تستبطن هذه العلاقة نيّة السوء والشرّ، وتسمّى هذه الحالة عادة بالغشّ. وهاتان الجملتان تظهران بصورة أو بأُخرى من كلّ الكلمات التي سبقت في تعريف «النصيحة». وفيما يلي نحاول إن شاء الله أن نحلّل كلّ واحدة من هاتين الجملتين بصورة علمية، لنصل إلى تحليل وتعريف شامل لمفهوم «النصيحة». ونبدأ بدراسة تحليلية لكلٍّ من هاتين الجملتين: التعامل مع الآخرين بإحسان وإصلاح، وخدمة الآخرين في الفعل والقول، فلا يكون همّ الإنسان في التعامل الاجتماعي أن يخدم نفسه فقط، ولا يقيس العمل الاجتماعي بمقياس المصلحة الشخصية فقط. إنّ الإنسان لا يستطيع ولا يجوز له أن يتخلّى في العلاقات الاجتماعية عن مصلحته الشخصية بشكل نهائي، وهذا حقّ ومعقول. ولكن هناك نمط من الناس لا ينطلق إلى العمل إلاّ بمقدار ما يخدم العمل مصالحه الشخصية، ولا يقدم على شيء ولا يكفّ عن شيء، إلاّ إذا كان هذا الإقدام والكفّ يخدم مصالحه الشخصية، ويقيس كلّ عمل وكلّ كلمة تصدر منه بهذا المقياس، ولا يعرف في نفسه عاملاً يحرّكه للعمل الاجتماعي في وسط العلاقات الاجتماعية غير عامل الذات والأنا. فإذا ذهب إلى المدرسة ليعلّم أبناء الناس القراءة والكتابة، وإذا فحص المريض، وإذا قدّم الاستشارة القانونية أو المعمارية لأحد، فليس من منطلق خدمة الآخرين والإحسان إليهم وإصلاح حالهم، وإنّما لأنّه يجد منافعه ومصالحه في ذلك. فهو لا يطلب إلاّ مصلحة ذاته وخدمتها، وهي المقياس لكلّ ما يقوم من عمل، وما ينطق به من كلمة، وما يقفه من موقف. وهذه حالة مَرَضية من الإنانية والذات تصيب بعض الناس، فيجفّ في نفوسهم