النيّة من شوائب المكر»[693]. ويقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير: «وحقيقة النصح: الإرسال إلى المصلحة، مع خلوص النيّة من شوائب المكروه»[694]. وقال صاحب تفسير المنار: «الأصل في النصيحة بأن يقصد بها صلاح المنصوح لا الناصح، فإن كان له فائدة منها وجاءت تبعاً فلا بأس، وإلاّ لم تكن النصيحة خالصة»[695]. وقال أيضاً: «النصيحة والنصح: تحرّي ما يصلح به الشيء، ويكون خالياً من الغشّ والخلل والفساد... ومنه يعلم: أنَّ من النصح لله ورسوله في هذه الحالة كلّ ما فيه مصلحة للأُمة، ولا سيّما المجاهدين منها، من كتمان سرّ، وحثّ على برّ، ومقاومة خيانة الخائنين في سرٍّ أو جهر. فالنصح العام ركن من الأركان المعنوية للإسلام، به عزَّ السلف وبزّوا، وبتركه ذلّ الخلف وابتزّوا»[696]. وقال المراغي في تفسيره: «والنصح: الإرشاد إلى المصلحة، مع خلوص النيّة من شوائب المكر»[697]. وقال صاحب تفسير الميزان في قوله تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ): «أي: لا شأن لي بما أنّي رسول، إلاّ تبليغ رسالات ربّي، خالصاً من شوب ما تظنّون بي من كوني كاذباً، فلست بغاشٍّ لكم فيما أُريد أن أحملكم عليه، ولا خائن لما عندي من الحقّ بالتغيير، ولا لما عندي من حقوقكم بالإضاعة، فما أُريده منكم من التديّن بدين التوحيد. هو الذي أراه حقّاً، وهو الذي فيه نفعكم وخيركم»[698]. هذه طائفة من كلمات العلماء في تفسير «النصيحة». ونرجّح أن يكون «النصح» و «النصيحة» من الخُلُوص والإخْلاص، وليس من الإِحكام، وهو أحد المعنيَّين اللذَيْن يذكرهما الراغب في «المفردات»، وأشهرهما في كلمات المفسّرين وأهل اللغة، وأشبههما بموارد استعمال هذا المصطلح الإسلامي. وعليه فتتألّف «النصيحة» من جملتين تكاد تتّفق عليهما كلمات المفسّرين وعلماء اللغة باختلاف يسير في التعبير. وهاتان الجملتان هما: 1 ـ تحرّي الخير والصلاح للآخرين، وإرادة الخير لهم في القول والعمل، والتعامل مع الناس على أساس الخير والمصلحة. 2 ـ تخليص العلاقة والتعامل مع الآخرين من كلّ شائبة سوء، وتمحيض النصيحة في العلاقة والتعامل. وهذا التخليص والتمحيض يقع في مقابل «الغشّ»، وهو أن يتظاهر الإنسان