بعضهم: أمر الله نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) تطييباً منه بذلك أنفسهم، وتآلفاً على دينهم، وليروا أنّه يسمع منهم ويستعين بهم وإن كان الله عزوجل قد أغناه بتدبيره له أُموره وسياسته إيّاه. وقال آخرون:... ليتّبعه المؤمنون من بعده»[645]. وقال الجصّاص في «أحكام القرآن»: «اختلف الناس في معنى أمر الله تعالى إيّاه بالمشاورة مع استغنائه عنهم بالوحي عن تعرّف صواب الرأي من الصحابة، فقال قتادة والربيع بن أنس ومحمد بن إسحاق: إنّما أمره بها تطييباً لقلوبهم، ورفعاً من اقرارهم. وقال سفيان بن عيينه: أمره بالمشاورة لتقتدي به أُمته ولا تراها منقصة، كما مدحهم الله بأنّ أمرهم شورى بينهم. وقال الحس والضحّاك: جمع لهم بذلك الامرين جمعاً في المشاورة، ليكون لإجلال الصحابة، ولتقتدي الأُمة به في المشاورة»[646]. وهذه هي القيمة الموضوعية للشورى، والقيمة الأُخرى للشورى هي القيمة الطريقية، ونقصد بذلك دور الشورى في الوصول إلى القرار الحقّ الصحيح. ولا اشكال في أنّ للشورى تأثير واضح في الوصول إلى الحقّ والقرار الصحيح، وأنّها الأداة المفضّلة لتصحيح القرار. ومهما تظافرت العقول والأفكار من أصحاب الاختصاص والخبرة على معالجة القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها من شؤون الدولة، كان القرار والرأي الذي يتمخض عنه أقرب إلى الحقّ والواقع، وأحوط بمصالح المجتمع، وأبعد عن تأثير ودور النزوات الفردية في إدارة المجتمع. وهذا هو الذي نقصده بالقيمة الطريقية للشورى، وخلاصتها: دور الشورى في الوصول إلى القرار الصحيح.